بحث داخل هذه المدونة الإلكترونية

الإسراء والمعراج.. بين الحقيقة والأسطورة (04)

 


بعد أن أثبتنا في الأجزاء السابقة بالدليل القاطع، والحاسم، والنهائي. أن معجزة الإسراء والمعارج لم تحصل مع الرسول الخاتم محمد عليه السلام. وذلك استنادا إلى معطيات التاريخ. وحقائق القرآن الكريم، ومعاني اللغة، وفن الخطاب. وأن كل ما قيل عن الموضوع هو مجرد هراء وافتراء لا أساس له. استوحاه التراثيون من تراث اليهود ومن الأساطير في الثقافات القديمة.../...

سنوضح في هذا الجزء الأخير مصدر هذه الأساطير، لنخلص في النهاية إلى ما يترتب عن هذه الحقيقة الصادمة لوعي العامة من نتائج. تقتضي حكما، إبطال كل ما ترتب عن أسطورة الإسراء والمعراج من تشريع نسب إلى السماء وهي منه براء. وتصحيح العقيدة لتحرير الدين من وصاية حرّاس الدين وإعادته لصاحبه الدي هو في السماء إله وفي الأرض إله.

نقول هذا، لنؤكد على حقيقتين فارقتين في تاريخ الدين والثقافة:

- تتمثل الأولى في أن الإسراء، وكما أوضحنا من القرآن بما لا يدع مجالا للشك، أمر به تعالى رسوله موسى وليس رسوله الخاتم عليهما السلام. 

- أما الثانية والمتعلقة بالمعراج، فإن القرآن ينفيه جملة وتفصيلا، ويذكر على لسان الرسول الخاتم عليه السلام، أن البشر لا يرقون إلى السّماء ضدا في قوانين الطبيعة، وأن الله لم يبعثه بمعجزة غير القرآن الكريم، الذي هو معجزة المعجزات الصالحة لكل مكان وزمان إلى ان تقوم الساعة.

وبالتالي، فخرافة المعراج إلى السّماء لم تكن نتاج ثقافة العرب، بل تعتبر من الخرافات التي لازمت التاريخ الديني للشعوب القديمة، وقد سبق لباحثين حداثيين، أن اتهموا فقهاء بني أميّة وبني العبّاس، باقتباس عديد اأساطير من ثقافات قديمة، وتسويقها باسم السّنّة، على أنها عقائد إسلاميّة تدخل في باب المعلوم من الدين بالضرورة. 

ويلاحظ من كرونولوجيا تاريخ الفكر الديني عموما، أن مسألة العروج إلى السماء قد ذكرت في المراجع الدينيّة اليهودية، وتحديدا في التلمود، حيث يحكى عن عروج إينوخ، وأخنوخ، وإبراهيم، وإيليا، وموسى، وغيرهم من أنبياء بني إسرائيل. بعضهم طاف العالم واطّلع على أحوال الناس، ومعظمهم عرجوا إلى السماء ورءوا العرش الإلهي. ورءوا أيضا مجاميع الملائكة، كالسيرافيم الذين لا عمل لهم غير تقديس الله، والكاروبيم الذين ينفخون المعرفة فيمن يختاره الله، وذكروا أن النبيّ إيليا المسمّى بمار إلياس بعد أن قتل كهنة الأوثان، أرسل له الله مركبة ناريّة يقودها ملائكة عرجت به إلى السماء.

وقد وردت أسطورة المعراج أيضا في بعض الأناجيل المسيحية، ككتاب عهد إبراهيم، وكتاب رؤيا بولس، حيث ذكرت أن إبراهيم عليه السلام، قد عرج بمعيّة أحد رؤساء الملائكة إلى السماء، وشاهد ما فيها. وأن بولس الرسول الذي يعتبر من الحواريّين، قد عرج هو أيضا إلى السماء.

كما وردت فكرة العروج أيضا في الثقافات الدينية الوثنيّة القديمة، ومثال ذلك: أسطورة الملك إتانا البابليّة، الذي اصطفته الآلهة ليحكم شعبه بالعدل، غير أنه حزن لأن زوجته لم تأتي له بوريث، فطلبت منه الآلهة أن يصعد إلى السماء على ظهر نسر مارق، ليقطف منها نبتة الولادة، ويحضرها للأرض فيحظى بوريث لعرشه. 

وهناك العديد من الأمثلة على معارج تحكى في الثقافات والمعتقدات الدينية القديمة، كرحلة أرجنة في الثقافة الدينيّة الهندية، والذي يقال أنه عرج إلى السماء وشاهد كل شيء.

وعلى ضوء ما سلف، نخلص إلى أن رحلة إسراء الرسول عليه السلام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن ثم عروجه إلى السماء، كانت مجرّد أسطورة ابتدعها فقهاء السلاطين. خصوصا في عهد عبد الملك بن مروان كمت سبقت الإشارة. وذلك بسبب أنه هو من عطّل فريضة الحج وحوّل قبلة المسلمين من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما أوضحنا في الجزء الأول حول الإسراء. وذلك لإضفاء الشرعية على حكمه، والقدسيّة على قراره بتحويل الحج من مكة إلى القدس، والذي لا علاقة له بالدين ما دام الله لم يشرّعه في التنزيل الحكيم.

وبالتالي، فكل ما بني على الإسراء والمعراج من مقتضيات تعتبر باطلة جملة وتفصيلا، لأنها بمثابة تشريع لم ينزل الله به من سلطان. كما أنه تطاول على مجال من اختصاصه تعالى دون سواه، يدخل في باب الشرك بمفهومه الغليظ، نعوذ بالله من أن نسقط فيه كمؤمنين.

والسؤال الذي يطرح بالنتيجة في موضوع الإسراء والمعراج هو التالي:

- هل ما روّج له الفقهاء من تشريع بشأن الصلوات الخمسة، والتي قيل أن الله أمر بها رسوله الخاتم عليه السلام، خلال تردّده أثناء معراجه صعودا ونزولا بين السماوات العُلى بنصيحة من موسى، تعتبر صحيحة حقا؟

- لأنه إذا كان الأمر كذلك، فما هو الدليل الذي يؤيّد هذا الزعم من التنزيل الحكيم؟

  نقول هذا، لأن من يدّعي أن الصلاة سنّة نبويّة وليست تشريعا إلهيا، فهو من حيث يدري أو لا يدري، يفتري على الله الكذب، ويجعل الرسول الخاتم عليه السلام مشرّعا مع الله، وهو الذي كان لا يفتي قومه في مسألة إلا بعد أن ينزل حكم الله فيها. 

ولعلّ أخطر ما في الأمر، أن من يدعى ذلك، يعتبر القرآن نصا ناقصا، لم يأتي كاملا، مفصّلا ومبيّنا لكل شيء كما يقول تعالى. بل ويتّهم الرسول عليه السلام، ضمنا، بأنه لم يكمل للناس دينهم كما زعم في حجة الوداع. الأمر الذي جعله يتدارك ذلك من خلال التشريع من سنّته.

 نعود بالله ان نكون من الجاهلين.

--------------------------------------




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق