بحث داخل هذه المدونة الإلكترونية

الفرق بين الوفاة والموت..

 


1. مقدمـــة

مقال ديني: في هذه المقالة الدينية، سنتناول موضوعا شائكا وحسّاسا، اختلط على المفسرين القدماء، فاعتبروا أن الوفاة هي عين الموت، بالرغم من أن القرآن لا يقبل الترادف، بحيث لا يمكن أن يحمل مصطلحان مختلفان نفس المعنى. متجاهلين بذلك الفرق القائم بين النفس والجسد، ومُعرضين عن الحقيقة القرآنية التي تقول: أن الموت يدخل في باب القضاء ويعني انفصال النفس عن الجسد إلى الأبد، وأنه يقع عند انتهاء أمد التجربة الدنيويّة. في حين أن الوفاة تهم النفس، وتدخل في باب الأجل الذي هو من مجال القدر، وقد لا تعني انفصال النفس عن الجسد بشكل نهائي إذا لم يكن ذاك بسبب كتاب الموت، كما هو ثابت في حالة النوم مثلا.../...


2. مفهوم الوفاة

من حيث اللغة، الوفاة فعل خماسي، يفيد أخذ الأمانة في الأجل المحدد. كالوفاء بالدين أو الوفاة بانتهاء الأمد وحلول الأجل، لقوله تعالى في الآية 38 من سورة الرعد: 

-      {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}. 

بمعنى أن الوفاة من التّوفية، وتدل على قبض الشيء وإرجاعه وجمعه كاملا غير منقوص. وكلما أشار القرآن إلى الوفاة إلاّ وقصد بها النفس التي لا تتعرض للفناء بانتهاء التجربة الأرضيّة، تماما كما هو حالها مع النوم، بحيث لا تنتهي فاعليتها إلا إذا قدر الله الموت على الجسد، فترحل النفس إلى عوالم جديد حيث تحيا الحياة البرزخية الثانية المخصصة لها حسب ما قدمته من أعمال في الحياة الدنيا، قبل الحياة الأبدية التي تبدأ بعد الحساب يوم القيامة.


03. مفهوم الموت

أما الموت، فمعناه توقف فاعلية الشيء وعدم إنتاجه. كموت الأرض أو الزرع أو خلافه. والموت يصيب كل ما هو قابل للتحوّل والاندثار كالمادة، ومثال ذلك انتهاء صلاحية وفاعلية الجسد بعد مغادرة النفس له بصفة نهائية، باعتباره يمثل الجانب المادي للإنسان، بخلاف النفس التي تمثل جوهر الإنسان وكنه ذاته. ولا علاقة للروح بالأمر كما فسر ذلك القدماء، وترسّخ في الوعي الجمعي للأمة. لأن الروح تعني المعرفة لا الطاقة التي تمد الإنسان بالحياة، وهي من أمر الله لقوله في الاية 85 من سورة الإسراء: 

- {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}. 

فأوضح تعالى في كيمياء الآية أن الروح هي العلم الإلهي المطلق، وهو من أمره، وأن الإنسان لم يُؤتى من هذا العلم إلا قليلا. والآيات التي تفصح عن نفس المعنى بالنسبة للروح أكثر من يسعها المقام.


04. ما الذي يقبضه الله في الإنسان ساعة النوم أو ساعة الوفاة؟

من الآيات التي ورد فيها مصطلح الوفاة مقترنا بمصطلح الموت، قوله تعالى في الآية 42 من سورة الزمر: 

- {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. 

هذه الآية الكريمة تتحدث عن الوفاة والموت معا، وتبيّن بوضوح لا لبس فيه، أن الله يتوفى الأنفس عند موتها، أي أنه يقبضها حين تنتهي فاعليتها وأمد تجربتها الدنيوية، فيفصلها بالموت عن الجسم لترحل إلى عالم ما وراء البزخ حيث تحيا الحياة الثانية في النعيم أو العذاب المعنوي إلى أن تقوم الساعة. في حين يعود الجسد إلى التراب الذي خلق منه، لكنه لا يتعرّض للفناء بالمطلق، بمعنى الخروج من الوجود للعدم، ما دام قد ثبت علميّا أن كل شيء مادّي عندما ينتهي أمد إنتاجه وفاعليته، يتحوّل من حال إلى حال باستمرار لكنه لا يفنى. في حين أن النفس التي لم ينتهي أمد تجربتها الدنيوية، يرسلها تعالى من نومها إلى مستودعها الذي هو الجسد إلى أن يحين الأجل المقدر لرحيلها النهائي.

ولفهم هذه الآية الكريمة بالعمق المطلوب. علينا معرفة:

- ما الذي يقبضه الله في الإنسان بشكل مؤقت ساعة النوم، أو بشكل نهائي ساعة الموت؟.

 الجواب هو الأمانة التي وهبها الله تعالى للإنسان من دون بقية الكائنات بما في ذلك الملائكة، وأخبرنا الحق أن السماوات والأرض والجبال أشفقنا منها، وقبلها الإنسان فكان جهولا ظلوما.

يقول تعالى في الآية 72 من سورة الأحزاب: 

- {إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}. 

والحقيقة، أنّ لا علاقة للأمانة بالفرائض كما فسرها القدماء خطأ، ومنهم شيخ المفسرين الطبري وفق ما نقله من مرويات عن سلفه. بل الأمانة تعني حرفيا "حرية الإرادة" التي يتميّز بها الإنسان عن بقيّة المخلوقات بما في ذلك الملائكة. وهو ما يفهم من قوله تعالى للملائكة ساعة قرر أن يجعل فصيلة آدم الإنسان العاقل خليفة في الأرض وفق منطوق الآية 30 من سورة البقرة: 

- {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}. 

ولأن الملائكة لا تعلم الغيب، فقد بنت استفسارها هذا، على ما لاحظته من فساد وسفك للدماء زمن الإنسان البدائي المتوحش، الملقّب علميّا بـ "النياندرتال"، وذلك قبل أن ينتقي منه تعالى فصيلة آدم الإنسان العاقل المسمّى علميّا بـ "النيوسابيانس". لأن آدم ليس شخصا واحدا كما هو سائد في اعتقاد العامة، بل فصيلة من البشر تطوّرت بفعل تراكم المعرفة والتجربة خلال ملايين السنين. وهذا هو معنى قوله تعالى في الاية 31 من سورة البقرة: 

- {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.

 أمّا قوله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون}، فيفيد أنه بعد أن وهب للإنسان حرية الإرادة، جعله كائنا أخلاقيا، قادرا إذا يشاء أن يتصرف بعدل ومسؤولية وأخلاق.

ودليل ذلك، أن الإنسان ساعة النوم لا يستطيع التحكم في ذاته بمحض إرادته، لأن الله تعالى يأخذ منه مؤقتا الإرادة الحرة التي وهبه إياها، فيكون كالميت الفاقد لها، يسبح في عوالم لم يسبق له أن رآها، ويعيش أحداثا غريبة بعضها لا ينتمي للذاكرة، ويلتقي أشخاصا يعرفهم وآخرين لا يعرفهم. فيظل على هذه الحال من الغيبوبة إلى أن يرسل الله الإرادة إلى جسده فيستيقض من نومه، ليعاود التحكم في ذاته وممارسة حياته الطبيعية بفضلها. 

لكن عند الموت، يسترد الله هذه الإرادة بشكل نهائي، فيفقد الإنسان القدرة على التحكم في جسده الذي يتحوّل إلى جثّة هامدة تدفن في التراب. في حين أن النفس ترجع إلى ربّها في كامل وعيها وقمّة إدراكها بمخزون الذاكرة التي كوّنته خلال تجربتها الحياتية لا تفقد منها شيئا، لتعيش حياة الخلود الثانية المقدرة لها في عالم ما وراء البرزخ، وهي الحياة التي تبدأ من ساعة مفارقة النفس للجسد بشكل نهائي إلى أن تقوم الساعة، لتعيش الحياة الأبدية التي تستحقها بعد الحساب يوم القيامة.

لكن المشكلة التي يطرحها الموت من الناحية المعرفية هي الخلط القائم على مستوى المفاهيم بين النفس والوعي، وبين الوعي والإدراك. لأنه إذا كان الوعي هو الإحساس بالوجود الداخلي والخارجي في البيئة التي تتفاعل فيها النفس، فإن الإدراك هو العمليات العقلية المحضة التي يقوم بها الدماغ، والمؤدّية إلى اكتساب الفهم والمعرفة، إذ تعد عملية الإدراك إحدى وظائف الدماغ عالية المستوى بحيث تشمل عمليات التفكير، والمقارنة، والتحليل، والتذكّر، والمعرفة، وحل المشكلات. كما وتشتمل عملية الإدراك مجال اللغة، والدين، والعلم، والخيال، والتخطيط،. والفرق بين الوعي والإدراك يكمن في أن الأول يتمثل في شعور الإنسان بأناته الذاتية المعبر عنها بالنفس. فيما الإدراك يتمثل في قدرة العقل الباطن على فهم اللغة والتجربة والظواهر البيئية المحيطة بالنفس. وهناك علاقة وطيدة قائمة بين الوعي والإدراك، لأنه في حال غياب الوعي أثناء النوم مثلا، لا تستطيع النفس إدراك ما يحدث في الجسد. 

ووفق علم الأعصاب، فإن للإنسان على مستوى الدماغ عقل مسؤول عن المشاعر والأفكار والسلوكيات التي يتعامل معها العقل الواعي الذي يتحكم فيه الإنسان عن طريق المنطق. وهذا الجانب من الوعي يغيب عند النوم. وهناك عقل باطن مستيقظ يعمل باستمرار، لكنه غير متحكّم فيه بإرادة الإنسان، لأنه هو من يتحكم ذاتيا وبشكل مستقل في الإنسان، فيقوم بعمل الأعضاء الداخلية في حالات اللاوعي كالنوم مثلا، ومن مهامه أنه يسجل الأحداث التي لا يدركها الدماغ، ويعتبر العقل الباطن حلاّل المشاكل المعقدة. والغريب وفق ما أاكتشفه علم الأعصاب، أن العقل المتحكم فيه لا يغطّي سوى من 5 إلى 10 في المائة من أفعال وأفكار وذكاء الإنسان (أينشتاين بلغ مستوى ذكائه 10 في المائة فقط)، أو إن شئت قلت أن مجال الإرادة الحرة التي وهبها الله تعالى للإنسان، لا يتجاوز نطاقها ما بين خمسة إلى عشرة بالمائة كحد أقصى من القدرة التي يفرزها العقل الظاهر. في حين أن العقل الباطن غير المتحكم فيه يمثل ما بين 90 إلى 95 في المائة من نشاط وأفعال وأفكار وذاكرة الإنسان. وهذا يعني أن هناك قوة خارجية هي من تتحكم في الأفعال اللاإرادية، فتخضعها لمشيئتها حتى لا يختل النظام ويتحول الإنسان إلى كائن فوق بشري خارق يفعل ما يشاء دون قيود أو حدود فيتحدى بذلك مشيئة الله وإرادته.

ولأن القرآن يفسّر بعضه بعضا، فالآيات التي تؤكد ما ذهبنا إليه حول وفاة النفس وليس موتها أكثر من أن يسعها المقام. نكتفي منها بقوله تعالى في الآية 97 من سورة النساء بشأن الكافرين: 

- {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. 

وواضح أن هذه الآية الكريمة تتحدث عن وفاة النفس، أي فقدانها لحريّة الإرادة التي كانت تتمتع بها خلال أمد التجربة الدنيوية بانفصالها بشكل نهائي عن مستودع الجسد الذي عاشت فيه. ولأن الله سريع الحساب كما يقول عن نفسه، فإن هذه الاية تخبرنا أنه قد قرر مصير الأنفس الظالمة إلى جهنم حيث المأوى مباشرة بعد الموت لتذوق العذاب النفسي المعنوي قبل العذاب الأكبر الحسّي يوم القيامة، كحال آل فرعون مثلا، الذين يُعرضون على النار بكرة وعشية وإلى أن تقوم الساعة دون أن يُلقوا فيها. حيث يوجدون في البرزخ يذوقون العذاب المعنوي الأدنى دون العذاب الجسدي الأكبر الذي سيكون يوم القيامة، وفق ما يخبرنا القرآن. هذا العذاب المعنوي الذي سمّاه القرآن بـ "العذاب الأدنى" لا يكون في القبر كما زعم التراثيون، بل في عالم ما وراء البرزخ، لأن المعنِي به هي النفس دون الجسد الذي لا يعذب لأنه لا يشعر بشيء على الإطلاق بعد أن تغادره النفس فيفقد الشعور والإدراك. ودليل أن هذا العذاب الأدنى يكون قبل القيامة هو حديث الله في الآية 46 من سورة غافر عن عذاب قوم فرعون في البرزخ من خلال إشارته إلى أن الساعة لم تقم بعد، وإنما يعرضون على النار بالغدوّ والعشيّ، وهي إشارة إلى الصباح والمساء اللذان تحدثهما دورة الأرض حول الشمس يوميا، ما يعني أن الدنيا لا تزال قائمة وأن السماوات والأرض لم يبدلهم الله بعد. وذلك لقوله: 

-    {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}.

أما المأوى الوارد في الاية السالفة الذكر، فيعني وفق المفهوم القرآني "السكن المؤقت" المخصص للأنفس خلال مرحلة الخلود، والتي تمتد من ساعة الموت إلى يوم القيامة، حيث ينتهي بها المصير بعد الحساب إلى الجحيم الأبدي وفق المكانة التي تستحقها، لأن النار كالجنة درجات. وهذا دليل على أن النفس بعد مغادرتها للجسد لا تموت ولا تندثر ولا تفنى بل تظل ترى وتسمع وتشعر وتدرك بفضل الوعي الباطن الكامن فيها. وفي هذه المرحلة، يرى الإنسان ما لم يكن يراه في حياته، فيصبح بصره حديد (من الحدّة) كما يقول تعالى، بسبب عمل الدماغ الباطن بكامل طاقته والتي تمثل 95 في المائة من قدرته.

أما المؤمنون، فيقول تعالى في الاية 32 من سورة النحل بشأنهم: 

- {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. 

وهذا يعني، أنه وبمجرد أن تتوفى الملائكة الأنفس المؤمنة الطيّبة، تحيّيها تحيّة السلام التي تبعث فيها الاطمئنان، وتنقلها مباشرة إلى جنة المأوى، لتعيش حياة الخلود إلى أن تقوم الساعة، حيث ينتهي بها المصير الأبدي بعد القيامة إلى الجنة التي خصّصاها الله لها حسب ما قدمته من عمل صالح ينفع الناس في الدنيا. وهذا هو الفرق بين جنة المأوى المؤقتة التي خصصها تعالى للطيبين ليعيشوا الخلود بعد الموت في انتظار الساعة، وجنات الأبدية التي جعلها الله درجات مختلفة لا يدخلها المؤمنون إلا بعد أن ينتهي يوم الحساب الأكبر بعد القيامة، لينال كل مؤمن الدرجة التي يستحقها من النعيم الدائم المقيم.

ويوضح ذلك تعالى في الآية 11 من سورة السجدة بقوله: 

- {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}. 

الأمر الذي يفيد بوضوح لا لبس فيه، أن الوفاة تطال النفس التي لا تموت، وبدليل قوله تعالى في هذه الآية أن ملك الموت الذي ينزع النفس من الجسد لا يقوم بإعدامها، بل فقط بإرجاعها إلى ربّها في عالم ما وراء البرزخ، لتنال الجزاء المؤقت الذي تستحقه، إما إلى نار المأوى أو جنة المأوى حسب ما قدمته من أعمال في الحياة الدنيا. لأن المأوى هو المكان المؤقت لإقامة الأنفس في عالم الخلود الذي هو عالم البزخ الوسيط بين الدنيا والآخرة التي تبدأ بعد القيامة، والذي يمتد من ساعة الموت، وينتهي ساعة القيامة، حيث الحياة الأبدية في المدى السرمدي اللامتناهي، كما سبق القول.

أما الموت، فقد وردت عديد الآيات التي تتحدث عن ماهيتها، بما يعنيه ذلك من مغادرة النفس للجسد. لذلك قال تعالى في الآية 57 من سورة العنكبوت: 

- {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةٌ الْمَوْتِ ثمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}. 

وهو ما يفيد أن النفس لا تموت بل فقط تذوق الموت، أي أنها تشعر بسكرات مغادرتها للجسد كل حسب حالته، لتنتقل إلى عالم آخر مختلف كلّيا عن العالم الذي خاضت فيه تجربتها الدنيوية. وما يؤكد هذا المعنى قوله تعالى في الاية 93 من سورة الأنعام: 

- {إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُم}. 

ومرد ذلك أن النفس هي خزّان الوعي ومنبع الشعور والإدراك، لأن الجسد من دون نفس لا يمكن أن يشعر بألم أو عذاب، بل يتحول إلى مجرد كتلة من مادة هامدة لا حياة فيها، لذلك عبّر القرآن عن الجسم بمصطلح المستودع، أي القالب أو الصندوق المادي الذي تسكنه النفس خلال تجربتها الدنيوية، وعند وفاتها يوارى هذا المستودع التراب، ليتحول إلى أصله الذي خلق منه، أي التراب. وفي غياب النفس يستحيل أن يشعر الجسم الميت بالألم. وهذا دليل على أن عذاب القبر هو مجرد هراء ينم عن جهل التراثيين بطبيعة النفس وحقيقة الجسد بعد الموت. ولأن الذي يموت لا يعود، فلا يمكن بحال من الأحوال أن تعود النفس إلى الجسد في القبر لتشعر بالعذاب، هذا مستحيل لأنه يتعارض مع النص ويناقض العلم والعقل. 

أما قوله تعالى في الاية 6 من سورة الحج: 

- {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. 

فيتعلق الأمر بقدرة الله على إحياء الأجسام الميتة في الحياة الدنيا. لأن كلمة "الموتى" في الاية الكريمة تفيد القوالب المادية التي غادرتها الأنفس فأصبحت جثت هامدة لا حياة فيها. ذلك أنه إذا كانت النفس لا تموت بعد مغادرتها للجسد، بل تعود إلى ربها لتحيا حياة الخلود، فمن الطبيعي أن يكون إحياء الموتى الوارد في هذه الآية يشير إلى معجزات الله التي أجراها على يد ملائكته أو رسله في الحياة الدنيا. ودليل ذلك، أن الله لا يعيد إحياء الأجسام التي ماتت في الدنيا لتعيش الخلود أو الأبدية في الاخرة كما كانت على حالتها الأولى، بسبب أن أجسام الدنيا بها نواقص وعيوب بحكم الإكراهات التي تفرضها التجربة الدنيوية باعتبارها دار امتحان وابتلاء. كما وأن أجسام الدنيا تمرض وتشيخ وتموت لتتلاشا وتندثر بحكم قانون التفاعل الكيميائي الذي يحوّلها باستمرار إلى مواد أخرى. وبالتالي، فالأجسام الدنيوية لا تصلح لأن تكون أجساما للنفوس في الآخرة، سواء في مرحة الخلود أو مرحلة الأبدية. وهو ما يوضحه تعالى في كتابه بقوله، أنه هو من يعيد النشأة الأخرى في خلق جديد بالنسبة لحياة الخلود، والنشأة الآخرة بالنسبة للحياة الأبدية، حيث يُزوّج الأنفس بأجسام كاملة بدون عيوب، أجسام لا تمرض، ولا تشيخ، ولا تموت.

أما الدليل على أن عملية إحياء الموتى في نفس الجسد والصورة وفق منطوق الاية 6 من سورة الحج، فيتجلى في بعض المعجزات التي أجراها الله على يد عباده في الحياة الدنيا، لقوله تعالى في الاية 260 من سورة البقرة: 

- {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. 

وقوله على لسان عيسى عليه السلام في الاية 49 من سورة آل عمران:

- {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ}. وقوله تعالى في الآية 154 من سورة البقرة: {وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَـٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ}، 

وغيرها كثير...

أما قوله تعالى في الاية 26 من سورة الجاثية: 

- {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}. 

فمعنى المعنى، أن الله الذي أحيا الناس في الحياة الدنيا سيميتهم بإخراج أنفسهم من أجسامهم، ليجمعهم في حياة الخلود البرزخية مع أهليهم وأحبائهم، فيضلون مجتمعين معهم إلى يوم القيامة. وهذا هو معنى قوله {ثم يجمعكم إلى يوم القيامة}. ولم يقل "يجمعكم يوم القيامة". لما تفيده أداة الجر "إلى" من امتداد في الزمن من ساعة الموت إلى يوم القيامة، وهذا هو معنى الخلود الذي له بداية ونهاية، في حين أنه لو قال مثلا "يجمعكم يوم القيام"، لتغير المعنى وأصبح موعد الجمع محدد في يوم القيامة وليس قبله.

أما قوله في الآية 21 من سورة عبس: 

- {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}.

فتعني أنه أقبر الجسد بعد أن أماته بانتزاع النفس منه. وهو ما يؤكده سياق عديد الآيات القرآنية، خصوصا عند الإشارة إلى إخراج الله الحي من الميت والميت من الحي بالنسبة للحَبّ. أمّا بالنسبة للإنسان، فالموت هو عملية إخراج للنفس التي هي عين ذات الإنسان ووعيه وإدراكه وكنهه الذي لا يموت، وانتزاعها من الجسد المادي الذي أسكنها الله فيه مؤقتا ليخوض به الإنسان تجربته الأرضية وفق شروط الابتلاء، ووهبه حرية الإرادة في حدود معيّنة، ليتصرف بها وفق اختياراته وقراراته التي سيحاسب عليها في النهاية بحكم المسؤولية الأخلاقية المنوطة به.

كما وأن هناك آية استوقفت التراثيين قديما ولم يجدوا لها تفسيرا معقولا يقبله العقل ويرتاح له القلب، ويتعلق الأمر بقوله تعالى في الآية 11 من سورة غافر: 

- {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ}.

وبخلاف ما قاله المفسرون عن أن الناس كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم في الدنيا ثم أماتهم ثم أحياهم في الآخرة، وهو تفسير لا يستقيم مع مبنى ومعنى الآيات التي تتحدث عن حياة الخلود في عالم ما وراء البرزخ، والحياة الأبدية في عالم ما بعد القيامة.

ذلك، أن النفوس التي خلقها الله تعالى لأول مرة ككائنات من نور دون أجسام، وأشهدها في قيامة أولى جرت في عالم الذر والأنوار العلوية بأنه ربّها وفق ما يستفاد من الآية 172 من سورة الأعراف، فلم تحيا حياة أولى ليقال إنه أماتها بعدها، بل ظلت تسبح في الفضاءالنّجمي البرزخي كذرات من نور، في انتظار أن يحين دور كل واحدة منها، لتنزل إلى المستقر الذي قدّره الله لها، والذي يعني بالمفهوم القرآني الرحم الذي ستلبس فيه قالبها أو مستودعها بالتعبير القرآني، والذي يعني الصورة الجسدية التي ستخرج بها إلى الحياة الدنيا. ولأن الموت يطال الجسم المادي لا النفس، فإن ما ذهب إليه المفسرون في هذا الصدد مجانب للحقيقة جملة وتفصيلا. 

وبالتالي، فالموتة الأولى التي تتحدث عنها الاية 11 من سورة غافر السالفة الذكر، هي الموتة التي تأتي مباشرة بعد الحياة الدنيا، بدليل قوله تعالى في الآيات من 50 إلى 60 من سورة الصّافات: 

 -    {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

هذه الآيات تصور مشهدا دراميا رهيبا لأحد الناجين من النار وهو يسأل عن قرين له كان يكذب بالبعث ويقول أن لا موت إلا الموتة الأولى في الحياة الدنيا ولا وجود لبعث أو عذاب بعد ذلك. وقوله {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}، دليل قاطع على أن الموتة الأولى كانت بعد انتهاء الحياة الدنيا وليس قبل ذلك كما فهم التراثيون خطأ.

أما الموتة الثانية، فهي الموتة التي تأتي بعد انتهاء حياة الخلود الثانية في عالم ما وراء البرزخ، ةتصيب الجسد الروحي الذي سماه تعالى بالنشأة الأُخرى، أي الثانية. فيما الجسد الذي سيعيش به الإنسان حياة الأبدية بعد القيامة سماه تعالى بـ "النشأو الأخيرة". وتحصل موتة الجسم الشبحي البرزخي الثانية بمجرد نفخ الملاك إسرافيل في الصور إيذان بقيام الساعة، وتمهيدا للبعث والقيامة، لقوله تعالى في الآيتين 26 و27 من سورة الرحمن: 

- {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}. 

أمأ الحياتين: فالأولى كانت في الدنيا، فيما الثانية في عالم ما وراء البرزخ. واعتراف الكفار بذنوبهم وقولهم هل إلى خروج من سبيل، موقف يصف حالهم بعد المصير السيّء الذي سينتهون إليه بعد الحساب يوم القيامة، الأمر الذي جعلهم يتساءلون إن كانت هناك إمكانية للخروج من العذاب الدائم المقيم في الجحيم الأبدي الذي انتهوا إليه بعد الحساب يوم القيامة، وهذه المرة لم يطلبوا العودة ليعملوا صالحا كما فعلوا عندما توفتهم الملائكة الموتة الأولى بعد انتهاء أمد التجربة الدنيوية، لأنهم أدركوا أنّهم لا يرجعون بعد أن تحدد مصيرهم النهائي بشكل لا رجعة فيه. 


خلاصـــة:

نخلص مما سلف، إلى أن الوفاة تتعلق بالنفس، وتعني استيفاء الأجل وسلب الإنسان حرية الإرادة التي كان يتمتع بها في حياته. أما الموت فتصيب الجسد، لأنها النتيجة الطبيعية لانتزاع حرية الإرادة من النفس، بحيث يصبح الجسد معطلا مشلولا بلا حول ولا قوة، فترجع النفس إلى ربها لتلقى المصير الذي ينتظرها مرغمة، مكرهة، ومستسلمة. فيما يُقبر الجسد في التراب ليعود إلى حالته الأولى التي تكوّن منها. 

وبهذا المعنى، فالموت ليست النهاية بل فقط البداية لحياة الخلود في انتظار القيامة. ما يؤكد أن الإنسان كائن أزلي في علم الله العظيم وكائن خالد لا يموت بحكم ما يتنظره من حياة الخلود وحياة الأبدية، ووفاة النفس ما هي إلى قفزات تقفزها النفس من مرحلة إلى أخرى.. 

وهذا هو ما لم يدركه آدم الإنسان الأول الذي أكل من شجرة المعرفة، معتقدا أنه سيكون ملاكا أو يكون من الخالدين في الجنة كما أوهمه الشيطان بذلك، فعاقبه تعالى على فعلته من نفس جنس المعصية. أي أنه فرض عليه خوض تجربة التعلم في الحياة الدنيا ليرقي في سلم الكمال بالمعرفة، فيستحق الخلود بعد ذلك في الجنة. ذلك أن الحياة مدرسة، والإنسان يتعلم فيها بالتجربة معنى المحبة، والرحمة، والعطاء دون انتظار المقابل، كشمعة تحرق نفسها لتضيء ليل البشرية.

بدليل أن السؤال الوحيد الذي سيسأل عنه الإنسان ساعة الموت ويوم القيامة وفق القرآن الكريم هو: 

-  ماذا قدمت أيها الإنسان في دنياك من عمل صالح ينفع الناس؟

حينها سيقول الكافر للملائكة ساعة احتضاره وفقا لما ورد في الآيتين 99 و100 من سورة المؤمنون:

- {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.

ما يفيد أن طلب الرجوع كان ساعة الموت والانتقال إلى حياة البرزخ الذي سيحول بينه وبين العودة للحياة الدنيا ليعمل صالحا فيما ترك كما تمنى ذلك على الله. لكن هيهات، فقد سبق أنهم لا يرجعون، خصوصا بعد أن رأوا الحقيقة ساعة الموت رؤية العين فحصل لديهم اليقين، وكانوا من قبل مكذبين.

أما المؤمن، فيرجع إلى ربه مطمئن النفس راضيا مرضيا فينال ما يستحقه من نعيم في جنة الخلد في انتظار النعيم الدائم المقيم في الدرجات العلى من الجنان بعد القيامة. ودليل ذلك من القرآن يتبيّن بوضوح من خلال قوله تعالى في الآية 35 من سورة النحل:

- {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} 

فأوضح تعالى أن الملائكة الذين يتوفون النفوس المؤمنة الطيبة يَحملون لها السلام من ربّها ويحملونها مباشرة إلى جنة المأوى في عالم ما وراء البرزخ لتعيش الخلود في النعيم الدائم المقيم مع أهلها وأحبائها من الذين أنعم الله عليهم إلى أن تقوم الساعة، ومردّ هذا الجزاء لا يعود لإيمان النفوس وحرصها على أداء مناسك العبادة في حياتها، بل بسبب ما كانت تقدم من عمل صالح ينفع الناس وفق ما توضّح الآية. 

وهذا دليل قاطع على أن سؤال الملائكة للعبد ساعة الاحتضار سيكون عن الأعمال الصالحة التي تنفع الناس، لا عن المناسك كالصلاة وفق ما ذهب إلى ذلك التراثيون، مادام تعالى قد حدد أركان الإسلام في ثلاثة: (الإيمان بالله - الإيمان باليوم الآخر - والعمل الصالح الذي ينفع الناس). وبالتالي، فكل من جاؤوا بهذه الأركان بغض النظر عن الرسالة التي يؤمنون بها أو الرسول الذي يتبعونه، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لقوله تعالى في الآية 62 من سورة البقرة:

- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

وبذلك، فالدين يعتقدون أن اليهود والنصارى وغيرهم من الذين لا يؤمنون برسالة محمد عليه السلام سيكون مصيرهم النار، لم يفهموا من الدين إلا القشور.

وبذلك وجب تصحيح هذا المفهوم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق