في فرنسا أجواء تُنذر بنهاية الجمهورية الخامسة

 


مقال سياسي: 

حيث أن جريدة لوموند – لسان العقلية الاستعمارية الفرنسية – حاولت انطلاقا من أحقاد قديمة، واستنادا إلى إشاعات مغرضة، وفبركات مكشوفة، ووفق خطة فتنوية مدروسة، زرع الشك والتفرقة بين الشعب المغربي وملكه، بدليل أن الأمر لايتعلق بمقال يتيم، بل بسلسلة مقالات ركزت جميعها منذ 24 من الجاري على العاهل المغربي كمرحلة أولى، في إشارة إلى عملائها من خونة الداخل أن الوقت قد حان للإنقلاب على الشرعية من خلال تجييش الشارع عبر وسائل التواصل الإجتماعي لتفجير موجة من الاحتجاجات شبيهة ببتلك التي حدثت في 20 من فبراير 2011، بحجة أن العاهل المغربي لم يلتزم بما وعد به شعبه حينها، وأن إنجازاته ظلت ناقصة ومتعثرة، وأن الملكية التنفيذية لا تسمح بحرية التعبير ولا بديموقراطية حقيقية، وأن الملك مريض وعاجز، وأنه يدير البلاد بطريقة سرية معقدة، وأن القصر يعيش صراع الخلافة على السلطة.../...

أمام هذا العهر السياسي والإعلامي والمخابراتي، فإنه لم يعد من المقبول في كل مرة اتخاذ موقف الدفاع للرد على مثل هذه الفبركات المغرضة، فقد آن الأوان لتغيير الإستراتيجية بالإنتقال من موقف الدفاع إلى الهجوم، ليفهم الجميع حقيقة المؤامرة واسبابها وسبل مواجهتها لإفشالها في مهدها، ويفهم المتآمرون على الشرعية المغربية أن زمن التلاعب بالعقول والعواطف قد ولىّ، وأن المغاربة شعب طيب لكنه عقلاني يفهم ما يحدث، ويعرف ما عليه القيام به في مواجهة المؤامرات التي تحاك ضد أمنه واستقراره.

لكن قبل ذلك، لا بد أن تفهم هذه الجريدة المرتزقة ومن يمولونها ويقفون ورائها من عسكر الحضيرة وساسة الإيليزي ومخابرات الدولة الفرنسية العميقة وعملائهم داخل الوطن، أن الأمة المغربية الأصيلة يستحيل أن تنال منها مثل هذه الترّهات، لأنها أمة واعية، فخورة بتاريخها العريق، متشبثة بكل حبة رمل من وطنها العزيز، محبة لملكها بجنون، ومنخرطة في ثورته المجيدة التي حولت حلم ملك وشعب إلى واقع يشبه المعجزة. 

وها هو التاريخ المغربي المجيد، القديم منه والحديث، شاهد على أن المغاربة كانوا دائما في مستوى التحديات، سواء تلك التي فرضتها المؤامرات الخبيثة زمن الاستعمار، أو تلك التي أفرزتها أحداث الطبيعة، أو تلك التي حاكتها عقول شيطانية ماكرة للنيل من أمن واستقرار وسيادة المغرب. 

لذلك، فقد حان الوقت لنكشف عن الحقائق التي يتجنب الحديث عنها الإعلام المغربي الرسمي والأحزاب السياسية لأسباب ديبلوماسية، لنذكر إن نفعت الذكرى، أن من يعيش أجواء نهاية النظام هي فرنسا وليس المغرب، ذلك أن بلاد الغال أصبحت اليوم على مفترق طرق، فإما أن يعلن ساستها الفاشلين الخضوع لإمبراطور إفريقيا الجديد محمد السادس دام له العز والتمكين، لينقذوا جمهوريتهم من السقوط الذي يلوح في الأفق، أو أن يتركوا سفينتهم تقودها الرياح لتتكسر فوق صخور التغيير. 

وبالمناسبة، نود أن نذكر المتآمرين من أبناء فرنسا الذين يعيشون بيننا أو في الحضيرة الشرقية المجاورة، أن الأجواء في المغرب ليست أجواء نهاية عهد ملك، بل أجواء عرس وطني كبير يعيشه المغاربة بفرح لما يبشر به المستقبل المنظور من تقدم المغرب وازدهار المغاربة بفضل رؤية عاهلهم المفدى محمد السادس حفظه الله، في حين يعيش الشعب الفرنسي القلق والحزن بسبب ما آلت إليه أوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية من تردي بلغ مستويات غير مسبوقة في تاريخه.

كما نود أن نذكر الساسة في باريس، أن الزمن قد دار دورته، ولم يعد مستقبل الملكية وانتقال السلطة في المغرب يحتاج لضمانات خارجية كما كان الحال زمن شيراك، بل أصبح انتقال السلطة في بلاد "مراكش" - كما يحلوا لجريدة لوموند تسمية المغرب - تحميه الضمانات القوية القائمة على البيعة الدينية والتاريخية، والشرعية الدستورية، وحب المغاربة لعاهلهم محمد السادس وولي عهده الذي أعده ليكون خلفا لأحسن سلف بعد عمر طويل بإذن الله.  

وطبعا لا يفوتنا بالمناسبة التذكير أيضا، أن ديموقراطية المغرب هي ديموقراطية شعب قبل أن تكون ديموقراطية أحزاب انتهازية تتناوب على السلطة لاغتصاب حقوق الضعفاء بالدور كما هو الحال في فرنسا وغيرها من دول الغرب، لأن ديموقراطية المغرب تقوم على الشفافية بدل التعتيم الذي يميز الديموقراطية الغربية عموما والفرنسية على وجه الخصوص، وعلى حرية الرأي التي وهبها العاهل المغربي للمجتمع المدني بدل الأقلام العميلة والمأجورة التي تعيش على النميمة وتتغذى من الشائعات الخبيثة وتنخرط في المؤامرات الدنيئة ضد شعوب آمنة ومسالمة تحت يافطة الصحافة الحرة، وهي تخدم أجندات خفية تسعى لضرب أمن واستقرار المغرب والمغاربة كما هو حال جريدة لوموند الفرنسية.  

المغاربة أمة مؤمنة بقضاء الله وقدره، ومرض عاهلهم لا يمثل هاجسا يقض مضاجعهم بقدر ما يحفزهم على الدعاء له في كل وقت وحين، ويدفعهم للوقوف إلى جانبه في مواجهة كل التحديات، بما في ذلك فضح تكالب وفساد زمرة المتآمرين على البلاد والعباد من عملاء فرنسا، سواء من الطابور الخامس الخائن الجبان الذي يعمل بيننا من وراء الأقنعة، أو سرطان الطابور السادس الخبيث الذي يشعل نار الفتن من تحت عباءة الشرعية والمشروعية وهو يبتز الدولة المغربية ويعتو في وطن المغاربة فسادا واغتصابا كما هو حال بعض الساسة المنتسبين لما كان يسمى قديما بأحزاب السلطة.

وبالتالي، يستطيع النظام السياسي الاستعماري الفرنسي التستر وراء حرية الصحافة لحياكة مؤامراته كما يشاء، لكن عليه أن يدرك أن الزمن هو غير الزمن، وأن المغاربة أصبحوا يتقنون فن اللعبة، ويدركون أن حرب المخابرات السرية لم تعد حربا باردة كما في الماضي، بل حرب حامية الوطيس من خلال الإعلام ومن وراء الكواليس، لكنها حرب معلومة الخيوط معروفة اللاعبين ومكشوفة المعالم، خصوصا إذا علمنا أن هناك علاقة مصالح قديمة تربط بين الساسة الفرنسيين والمخابرات وصحيفة لوموند من جهة، ونظام العسكر في الحضيرة المجاورة المسماة بالجزائر بالإضافة إلى عملاء الداخل المغربي من جهة ثانية، وأن الأزمة الديبلوماسية التي يمر بها البلدان - فرنسا والجزائر - لا تعدو عن كونها مسرحية سيّئة الإخراج، بدليل أن معلومات مؤكدة تحدثت قبل شهرين عن لقاءات سرية تمت بين المخابرات الفرنسية والمخابرات الجزائرية بحضور ممثلين عن جريدة لوموند، وبالتالي، فما يحدث اليوم ليس وليد الصدفة، بل تنفيذ عملي للمرحلة الأولى من خطة تخريبية تم رسمها خلال الإحتماع المذكور في الجزائر العاصمة.

المغاربة يفهمون اليوم بفضل وعيهم السياسي المتقدم، أن ما قامت به جريدة لوموند لا يمت للعمل الصحفي النزيه بصلة، بل هو مجرد تصفية حسابات مدفوعة الأجر، في شكل حملة إعلامية خبيثة تستهدف إثارة الفتنة من خلال زرع الشكوك بين الشعب وملكه. غير أن الرياح جاءت هذه المرة بما لم تتوقعه المخابرات الفرنسية والجزائرية، بدليل أن النتيجة جاءت عكس كل التوقعات، لأن في المغرب لا يوجد شيء إسمه ملك المغرب وشعب المغرب، بل هناك فقط ملك شعب وشعب ملكي، في تلاحم ملحمي قل نظيره في عالم اليوم. وهذا مشهد لا تستطيع العقلية الاستعمارية الفرنسية القديمة ولا العقلية المتكلسة لعملائها في الحضيرة المجاورة قراءته وفهمه.

والسؤال الذي يطرح بالمناسبة هو: - لماذا لا تكتب جريدة لوموند الفرنسية عن أوضاع فرنسا الكارثية، ليدرك الشعب الفرنسي عمق الهاوية التي وصلت إليها فرنسا، بسبب جشع قادتها، وغرورهم المرضي، وعماء بصيرتهم السياسية؟

وإذا كان الأمر يحتاج لإثبات فلدينا ما يكفي ويزيد، ولا نفتري على فرنسا الأكاذيب، معاذ الله، فذلك ليس من شيم المغاربة الأحرار. فالصورة القاتمة كما تبدو اليوم تبشر بالانهيار القادم لا محالة في بلد نابوليون. 


أزمات اقتصادية واجتماعية تضع فرنسا اليوم على مفترق طرق

تعيش فرنسا، التي كانت إلى وقت قريب إحدى القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، مرحلة دقيقة تتسم بتراكم التحديات الاقتصادية والاجتماعية. فمع ارتفاع المديونية العامة، وتزايد الاحتجاجات الشعبية، وتغير موازين القوى في علاقاتها الخارجية، خصوصا بعد فقدانها لحدائقها الخلفية في إفريقيا، ومشاكلها مع روسيا وأمريكا بل ومع بعض الدول الأوروبية أيضا، يبدو المشهد الفرنسي في مرحلة تحول عميق بأبعاد كارثية، حيث تعيش الجمهورية الخامسة مرحلة دقيقة من عمرها. 

فمع ارتفاع المديونية العامة، وتزايد الاحتجاجات الشعبية، وتغير موازين القوى الإقليمية والدولية، يبدو المشهد الفرنسي في مرحلة خطرة وفق المؤشرات الموضوعية التالية:


1. الملامح الاقتصادية: عجز الميزانية والمديونية العامة

تُظهر الأرقام الاقتصادية الرسمية أن فرنسا تواجه تحديات خطيرة. فالدولة التي بلغ ناتجها المحلي السنوي (GDP): (2.825 مليار أورو) عام 2023، تسجل عجزاً متواصلاً في ميزانيتها العامة بلغ 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتجاوز بكثير سقف 3% الذي حدده الاتحاد الأوروبي.  وقد دفع هذا العجز الدين العام إلى مستويات قياسية، متجاوزاً 111% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما قدره (3.136 مليار يورو) نهاية 2023. 

هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات مجردة، بل هي انعكاس لأزمة هيكلية عميقة، فالاقتصاد الفرنسي يعاني من عجز تجاري مزمن، بلغ رقماً تاريخياً في عام 2022 قدره (163.6 مليار يورو)، مما يدل على تآكل القدرة التنافسية للعديد من قطاعات الإنتاج الفرنسية.

وقد أصبح هذا الوضع يثير قلق المؤسسات الأوروبية والدولية والمستثمرين بشأن استدامة الاقتصاد الفرنسي على المدى المتوسط ولا نقول الطويل، والذي يبشر بأن اقتصاد فرنسا قد دخل بالفعل منعطفا خطيرا يصعب إن لم يكن يستحيل الخروج منه. خصوصا بعد نهاية زمن ابتزاز الدول الإفريقية جنوب الصحراء والتي كانت تغدي الخزينة الفرنسية بمبلغ 600 مليار دولار نقدا سنويا، ناهيك عما كانت تستنزفه باريس من معادن وخيرات أراضي مستعمراتها القديمة، خصوصا اليورانيوم الذي كانت تستورده من النيجر برخص التراب وتنتج به الكهرباء التي تبيعها بأسعار خيالية للدول الأوروبية. 

من هنا يفهم سبب الحملة الشرسة على المغرب الذي تحول في صمت إلى قوة إقليمية رائدة وقاطرة للتنمية الحقيقية في دول إفريقيا الأطلسية وجنوب الصحراء، وأفسد على فرنسا سياساتها الابتزازية، وعلى الجزائر أوهامها القيادية، حين أقنع دول إفريقيا بربط عملتها "الفرنك الإفريقي" بالدرهم المغربي واستثمار عائداتها في البنية التحتية وبرامح التنمية المستدامة للخروج من الفقر والتخلف، ومن العباءة الاستعمارية الفرنسية في معركة السيادة السياسية والاقتصادية.

حدث هذا في الوقت الذي يعاني الميزان التجاري الفرنسي من عجز مزمن، حيث تتجاوز قيمة الواردات قيمة الصادرات بشكل مستمر، مما يؤثر على نمو الاقتصاد ويشير إلى ضعف في القدرة التنافسية لعديد من القطاعات الصناعية الفرنسية.

أما على الصعيد الاجتماعي، فيشكو المواطنون من ارتفاع الضرائب التي تُعد من الأعلى في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، مما يضع ضغوطاً إضافية على الأسر والشركات الصغيرة والمتوسطة، وهو الأمر الذي دفع بعديد الفرنسيين لاختيار دول أخرى للعيش فيها، كما وقد رأينا قبل فترة كيف أن عجائز فرنسا من الطبقة الفقيرة يجمعون الطماطم والخضر الفاسدة من صناديق القمامة في أرقى شوارع عاصمة النور، التي تحولت إلى عاصمة الظلم والجوع. 


2. التحديات الاجتماعية: الاحتجاجات كمرآة للغضب الشعبي

لم تقتصر الأزمة على الجانب الاقتصادي فقط، بل امتدت إلى الشارع الفرنسي. فقد شهدت فرنسا خلال السنوات الماضية سلسلة من الاحتجاجات الاجتماعية واسعة النطاق، أبرزها حركة "السترات الصفراء" التي عكست غضباً شعبياً عميقاً من السياسات الحكومية، واحتجاجات ضد إصلاح نظام التقاعد التي استمرت لأشهر. الأمر الذي يذكرنا بإرهاصات الثورة الفرنسية المجيدة التي انتهت بإسقاط تحالف الإقطاع والكنيسة حين شنق الثوار آخر كاهن بمصران آخر حاكم إقطاعي.

هذه الاحتجاجات الضخمة التي حشدت في الفترة الأخيرة ملايين الفرنسيين في الشارع، والتي انطلقت بسبب زيادة الضرائب على الوقود سرعان ما تحولت إلى حركة واسعة ضد عدم المساواة الاجتماعية والسياسية النخبوية للحكومة. فهي بذلك لم تكن مجرد حركات عابرة، بل مؤشر على وجود توترات اجتماعية كبيرة ناجمة عن شعور بالظلم وعدم المساواة وتآكل القدرة الشرائية للفرنسيين، مما يعكس حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي سيؤدي لا محالة إلى انفجار الأوضاع في المدى المنظور. وهذه المرة لن يكتفي الشارع بمطالب اقتصادية واجتماعية فحسب بل سيصل الغضب حد المطالبة بتغيير النظام السياسي الفرنسي برمته لا محالة.


3. تحولات جيوسياسية: تراجع النفوذ في إفريقيا

تُعد العلاقة مع إفريقيا أحد أهم أركان السياسة الخارجية الفرنسية. في السنوات الأخيرة، شهدت هذه العلاقة تحولات كبيرة. فبعض الدول الإفريقية، خاصة في غرب إفريقيا وجنوب الصحراء، بدأت في اتخاذ خطوات للتحرر من النفوذ الفرنسي التقليدي. وقد كان موضوع الفرنك الإفريقي (Franc CFA) في قلب هذا الجدل كما أشرنا.

وبذلك، أصبح اليوم معلوما للجميع، أن التحويلات المالية التي كانت فرنسا تجنيها من هذا النظام الاستعماري القديم (ما يعادل 600 مليار دولار سنويا كما سبقت الإشارة)، والذي حافظت بواسطته على استغلال الأموال الإفريقية وحرمان حكوماتها من استثمارها في التنمية لفائدة شعوبها قد أنتهى إلى لا رجعة. هذا الوضع الذي لم تكن تتوقعه فرنسا يعكس توجهاً لدى الدول الإفريقية نحو امتلاك السيادة الاقتصادية، عن طريق تحقيق استقلالية نقدية كاملة بفضل الرؤية التنموية المتبصرة للعاهل المغربي محمد السادس رائد التنمية في افريقيا. 

هذا الأمر أثار غضب القصر في فرنسا الذي وجّه مخابراته للتحرك إعلاميا كمرحلة أولى ضد المغرب بتمويل جزائري حتى لا تنفجر الفضيحة. وقد يتم التحرك عسكريا بتحريض الجزائر على افتعال حرب خاطفة ضد المغرب في مرحلة ثانية، تعقبها مبادرات تسوية تتبناها فرنسا لإخضاع المغرب لشروطها القديمة الجديدة. لذلك حشدت قبل أسابيع بوارجها الحربية قبالة السواحل الجزائرية حتى تتحكم في حجم الانفجار وتضمن لنفسها دور الوسيط في حل الأزمة. 

خصوصا إذا علمنا أن هذا التراجع الفرنسي في النفوذ يمثل تحدياً جيوسياسياً هاماً يفرض على باريس إعادة النظر في استراتيجيتها القارية، ولن يكون ذلك ممكنا في ظل الظروف الحالية سوى بافتعال الأزمات مع المغرب، من خلال خطة جهنمية مرحلية، تبدأ بتصعيد إعلامي على الملكية الضامنة للأمن والاستقرار في المغرب  ورائدة ثورة السيادة الاقتصادية من أجل تنمية دول وشعوب إفريقيا، مرورا بعمليات مخابراتية مدروسة، مع التركيز على تحريض عملاء الداخل الذي آثروا الصمت ولم يخرجوا لينددوا بحملة جريدة لوموند المشؤومة ضد ملكهم،  وتجنيد المجتمع المدني عبر وسائل التواصل الإجتماعي لإشعال فتنة شعبية على شاكلة ما حدث في 20 فبراير 2011، وانتهاء بتحريض عسكري تشن إثره الجزائر هجوما عسكريا مباغتا على المغرب، خصوصا بعد أن حشد تظام الكابرانات العميل قواته على الحدود المغربية.

 والحقيقة أن هذا المخطط الجهنمي، يُظهر قصر نظر القيادة السياسية الفرنسية ومدى يأسها وتخبطها في أزماتها البنيوية، لأنه مخطط فاشل ومتجاوز سيعود بالضرر على مصالح فرنسا نفسها في المغرب والمنطقة برمتها، نظرا لتضاربه مع مصالح دول كبرى لها رؤية مغايرة للعلاقات الدولية والأمن والاستقرار الإقليمي، ناهيك عن وعي الشعوب الإفريقية ويقظتها. وبالتالي، لن تستطيع باريس تمرير مخططها الغبي هذا بعد أن أصبح مكشوفا من الوهلة الأولى. 


4. هروب رؤوس الأموال وتناقضات السوق الفرنسية

والحقيقة، أنه وبسبب ارتفاع الضرائب من جهة، وانغماس فرنسا في الحرب الأوكرانية ضد روسيا، وعلاقتها السيئة مع الولايات المتحدة، وإصرارها على استمرار سياساتها الاستعمارية في إفريقيا، بدأت فرنسا تفقد تدريجيا جاذبيتها لدى المستثمرين والفاعلين الاقتصاديين الأوروبيين والدوليين. ففي السنوات الأخيرة، وبرغم ما أظهرته بعض التقارير المدفوعة الأجر من أن فرنسا نجحت في استقطاب مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر، إلا أن الواقع اليوم، وبسبب الأزمات التي أشرنا إليها، كشف أن حجم هذا الاستقطاب بدأ يتبخر بشكل ملحوظ، بسبب  أن المستثمرين يأخذون بالاعتبار عوامل الاستقرار السياسي والاجتماعي وسلم الضرائب، بالإضافة إلى تكلفة الإنتاج والقدرة على المنافسة الدولية، قبل جودة  البنية التحتية والموارد البشرية المؤهلة التي تتغنى بهما فرنسا.

ومع أن الحكومة الفرنسية تحاول التعتيم على ذلك، إلا أنه لا يمكن تجاهل ظاهرة هروب عديد رؤوس الأموال والمستثمرين الأفراد الذين يبحثون عن أنظمة ضريبية أقل صرامة، وتكلفة إنتاج مناسبة تكفل لهم التنافس المربح، بالإضافة إلى البنية التحتية الجيدة والاستقرار السياسي والمؤسساتي، والأسواق الجديدة الواعدة، الأمر الذي يضع الحكومة الفرنسية في مأزق دائم بين الحاجة لزيادة الإيرادات العامة وجذب الاستثمار الأجنبي لمواجهة المديونية الداخلية وتعديل ميزان العجز التجاري. وهو ما تراه باريس اليوم شبه مستحيل بسبب دخول المغرب كلاعب إقليمي نجح في تغيير قواعد اللعبة وموازين القوة في المنطقة.


5. آفاق المستقبل: هل تنتهي الجمهورية الخامسة؟

إن تآكل الثقة الشعبية، واستمرار الأزمات الاقتصادية، وتراجع النفوذ الدولي، كلها عوامل تدفع بالمراقبين إلى التساؤل عن مستقبل النظام السياسي في فرنسا. فمنذ تأسيسها من قبل الجنرال شارل ديغول عام 1958، عرفت الجمهورية الفرنسية ازدهارا كبيرا بفضل نمو اقتصادي قوي وجذاب. لكن اليوم، يرى الكثيرون أن هذا النموذج لم يعد قادراً على ضبط العلاقات الخارجية، أو احتواء التوترات الاجتماعية، أو الاستجابة لتطلعات الشعب.

تتزايد المطالبات بين العديد من السياسيين والمثقفين والشعب بتأسيس "الجمهورية السادسة"، والتي تعني إصلاحاً دستورياً شاملاً يحد من صلاحيات الرئيس ويزيد من دور البرلمان والمشاركة الشعبية. هذه الدعوات، التي كانت مجرد أفكار هامشية في الماضي، أصبحت اليوم جزءاً من النقاش السياسي العام، مما يدل على أن الأزمة الحالية ليست اقتصادية واجتماعية فحسب، بل  أزمة وجودية للنظام السياسي الفرنسي نبكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

في الختام، تقف فرنسا اليوم أمام مفترق طرق. فبين الحاجة الملحة إلى إصلاحات اقتصادية عميقة، وتزايد الغضب الشعبي، وتراجع نفوذها في إفريقيا، تبدو الدولة الفرنسية على وشك الدخول في مرحلة جديدة من تاريخها، قد تعيد تشكيل هويتها السياسية والاقتصادية، وتحولها إلى مجرد جمهورية هامشية في جغرافية القارة العجوز.

وبذلك يتبين بوضوح أن في فرنسا اليوم أجواء تُنذر بنهاية عهد الجمهورية الخامسة، فيما في المغرب أجواء تُبشّر بتحول الدولة المغربية الشريفة إلى إمبراطورية صاعدة بفضل ثورة الملك والشعب المباركة التي انطلقت في 9 من مارس 2011، وها هي اليوم تحقق المعجزات فتبهر العالم.


الخلاصة: تحديات معقدة تبشر بانهيارً وشيكً

في الختام، نحن لا نفتري على فرنسا حين نؤكد بالمعطيات الصحيحة والأرقام الدقيقة، أن النموذج الفرنسي يواجه بالفعل تحديات معقدة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. 

ورغم أن الحديث عن "انهيار" قادم لا محالة له ما يبرره موضوعيا، إلا أن كل هذه العوامل والمؤشرات مجتمعة تضع فرنسا أمام مفترق طرق لا شك في ذلك. فمسارها المستقبلي يبدو مظلما في ظل انسداد الرؤية وعجزها الكبير على إصلاح اقتصادها، ومعالجة التوترات الاجتماعية، والتكيف مع المشهد الجديد الذي يولد من رحم الصراع الدولي على النفوذ في المنطقة، في أفق النظام العالمي الجديد الذي يتطلب من القوى الاستعمارية القديمة كفرنسا، إعادة تعريف مكانتها ودورها، خاصة في إفريقيا. 

ونريد أن نؤكد بالمناسبة، أن فرنسا لن يكون لها محل من الإعراب في الخارطة الجيوسياسية في افريقيا الجديدة، إلا من خلال بوابة الدول المغربية العتيدة، حتى لو جرح ذلك كبريائها، ولن يكون ذلك ممكنا إلا إذا ركع ساسة فرنسا بين يدي سيد إفريقيا الجديد العاهل المغربي محمد السادس دام له العز والتمكين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق