بعد أن أكدنا بالدليل القاطع في الجزء الأول والثاني من هذا الموضوع، استنادا إلى معطيات التاريخ، وقواعد اللغة، والحقائق القرآنية الواضحة، بأن الإسراء والمعراج مجرد أسطورة لا حقيقة لهما من حيث الواقع. وأنهما مجرد اختلاق من وحي التراث اليهودي، وافتراء على الله ورسوله. سنحاول في هذا الجزء. الجواب على سؤالين يكتسيان أهمّية خطيرة. لأنهما يطرحان كلما أثير موضوع الإسراء والمعراج.../...
- السؤال الأول يقول: ما سبب امتناع الناس عن الإيمان بالرسل عليهم السلام قديما، برغم تأييدهم من قبل الله تعالى بمعجزات مادّيّة وقتية؟.. كمعجزة النار بالنسبة لإبراهيم. ومعجزة الحوت بالنسبة ليونس. ومعجزة الريح بالنسبة ليعقوب. ومعجزة الجن بالنسبة لسليمان. ومعجزة العصا بالنسبة لموسى. ومعجزة المائدة بالنسبة لمريم. ومعجزة الكلام في المهد بالنسبة لعيسى. بالإضافة لإحياء الموتى وشفاء المرضى. ومعجزة أهل الكهف. وما إذا ذلك ممّا نعلم ولا نعلم.
- أما السؤال الثاني فيقول: إذا كان الله تعالى لم يؤيد رسوله الخاتم عله السلام بمعجزة الإسراء والمعراج. فما معنى ما ورد في الآيات من 1 إلى 19 من سورة النجم، والتي تخبر، وفق ما يقول التراثيون، أن الرسول الكريم عليه السلام، عرج للسماوات العلى، إلى أن بلغ سدرة المنتهى حيث جنّة المأوى، ورأى ربه الذي فرض عليه الصلاة الحركية؟
الجواب على السؤال الأول يكون من القرآن. حيث قال تعالى في الآيات من 94 إلى 96 من سورة الإسراء:
- {وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوٓاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرًۭا رَّسُولًۭا * قُل لَّوْ كَانَ فِى ٱلْأَرْضِ مَلَٰٓئِكَةٌۭ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكًۭا رَّسُولًۭا * قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًۢا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرًۢا بَصِيرًۭا}.
هذه الآيات تؤكد، أن الله تعالى بصير بطبيعة النفس البشريّة. وما يختزل فيها من غيرة وحقد وحسد وينتابها من شك، حيث أنه كشف السّبب الحقيقي وراء امتناع الناس عن الإيمان برسله، لقولهم، إنهم مجرد بشر مثلهم. اختارهم الله تعالى من بينهم. من دون أن يكونوا أفضلهم جاها، ولا أرقاهم ثقافة، ولا أرفعهم مكانة، ولا أغناهم مالا.
ويلاحظ أن كل هذه الآيات التي استشهدنا بها، جاءت أيضا في سورة الإسراء لتنفي عن الرسول ما نسب إليه رجال الدين من خوارق سبق وأن كذّب بها الظالمون رسلهم من قبل. فلماذا سيعيد الله تعالى الكرّة مرّة أخرى مع رسوله الخاتم عله السلام؟ خصوصا إذا كان قد أيّده بما هو أعظم وأحسن وأبقى من مجرّد معجزة مادّية وقتيّة، قد يؤمن بها فقط من يراها ساعة وقوعها. ونقصد بذلك القرآن الكريم الذي هو معجزة المعجزات. لما يحويه من حقائق وعجائب وغرائب وخوارق حسّية دائمة ومستمرّة إلى يوم القيامة. بحيث لن تحتاج البشرية بعد محمد عليه السلام، لمن يعلّمها دينها.
وحيث أن الأمر كذلك. فإن الحكم الفصل في هذه القضية هو القرآن نفسه، وليس التراث. لأن آياته الحق هي وحدها الكفيلة بدحض كل الأساطير التي اكتتبها التراثيون من تلمود اليهود ونسبوها إلى الرسول الخاتم، والرسول منها براء.
ولأن الله تعالى في الآية الأولى من سورة الإسراء قال إنه أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. فالأمر وكما سبقت الإشارة. يتعلق بعبده موسى لا عبده محمد عليهما السلام. أما دليلنا على ذلك، فيتمثل فيما يلي:
أن الآيات العشر الأولى من سورة الإسراء تتحدث عن نبي الله موسى. لقوله في الاية الثانية من نفس السورة: {وَءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَٰبَ وَجَعَلْنَٰهُ هُدًۭى لِّبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُواْ مِن دُونِى وَكِيلًۭا}. وبالتالي. يقتضي فن الخطاب القرآني كما هو معلوم. أن تكون الآية الأولى مقدمة لما سيأتي بعدها من تفصيل. لأن لا معنى أن يتحدث الله في الاية الأولى عن إسراء محمد، لينتقل دون ربط موضوعي في الاية الثانية ليخبر أنه أتى موسى الكتاب؟.. فما العلاقة؟
أن تفسير القرآن بالقرآن. وفق المنهج الذي أوصانا به الرسول الخاتم عليه السلام. يفضي لنتيجة حاسمة، قاطعة،. ونهائية لا تقبل التأويل، ومفادها، أن الإسراء الذي تحدث عنه الله في الآية الأولى من سورة الإسراء. يتعلّق بعبده موسى وليس بعبده محمد عليهما السلام. ولأن كلمة أسرى هي المفردة المفتاح التي يدور حولها الحدث موضوع الاختلاف. فإن معناها وفق المنهج المذكور، وباختلاف السياقات التي وردت فيها من جهة. وبحكم أن القرآن لا يقبل الترادف من جهة أخرى. تفضي إلى حقيقة جديدة صادمة للتراثيين. وصاعقة لأتباعهم الذين يتمسّكون بما روّج له شيوخهم من ترّهات في هذا الشأن.
لقد سبق وأوضحنا أن الله تعالى قصد بالإسراء نبيّه موسى لا محمد عليها السلام، بدليل قوله في الآيات 23 و24 من سورة الدخان: {فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ * وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْوًا ۖ إِنَّهُمْ جُندٌۭ مُّغْرَقُونَ}. وواضح أن الحديث هنا هو عن موسى عله السلام الذي أسرى ليلا ببني إسرائيل، فتبعه فرعون وجنده فكانوا من المغرقين.
ويؤكد هذا المعنى بشكل واضح لا لبس فيه، ما ورد في الآية 52 من سورة الشعراء لقوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِىٓ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ}. والآية لا تحتاج لشرح. ولم يأتي تعالى في القرآن الكريم على ذكر أمر بالإسراء يخص رسوله الخاتم كما جاء بالنسبة لموسى عليهما السلام.
وفي الآية 77 من سورة طه. يقطع تعالى الشك باليقين بقوله: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًۭا فِى ٱلْبَحْرِ يَبَسًۭا لَّا تَخَٰفُ دَرَكًۭا وَلَا تَخْشَىٰ}. وبالتالي، فلا علاقة لمحمد عليه السلام بواقعة الإسراء من قريب أو بعيد، ولا يوجد في القرآن الكريم ما يشير إلى ذلك كما زعم التراثيون.
أمّا ما قيل عن المسجد الحرام والمسجد الأقصى، فبالنسبة للأول يتعلّق الأمر بحرم بني إسرائيل الوارد في الآية 57 من سورة القصص. لقوله تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا ءَامِنًۭا}؟ لأنه وبخلاف ما ذهب إليه المفسّرون من أن الأمر يتعلق بمشركي قريش. فالأمر يتعلق ببنى إسرائيل. الذين كانوا يخافون أن يتّبعوا الهدى مع موسى عليه السلام. لقوله تعالى في مطلع نفس الآية السالفة الذكر: {وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ}. أي إن يتبعون الهدى مع موسى يتخطّفون معه من أرضهم من قبل فرعون وزبانيته. وإلا، من كان يهدّد عرب قريش الأقوياء والأغنياء بالخطف من أرضهم إن هم اتّبعوا الهدى مع محمد عليه السلام؟ لا أحد، لأنهم كانوا أقوياء في أرضهم.
وبعد هذا التوضيح المدعوم بعديد الآيات من كتاب الله. وعدم ورود ما يدعم فرضية إسراء الله برسوله محمد من القرآن وبالقرآن. فإن كل من يصرّ على عكس هذه الحقيقة الناصعة. فإنه حتما لا يصدّق كلام الله. ويفتري على رسوله الأعظم ما ليس له به من علم.
أما بالنسبة للمعراج، فسيكون من المفيد توضيح ما ورد في سورة النجم التي يحتجّ بها التراثيون على وقوعه، من دون أن يدركوا المعنى الحقيقي للآيات البيّنات التي يستندون عليها. لقوله تعالى في الآيات من 1 إلى 18 من سورة النجم:
{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰٓ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌۭ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍۢ فَٱسْتَوَىٰ * وَهُوَ بِٱلْأُفُقِ ٱلْأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰٓ إِلَىٰ عَبْدِهِۦ مَآ أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ * أَفَتُمَٰرُونَهُۥ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ * وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰٓ * إِذْ يَغْشَى ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰٓ}.
لكن بداية وقبل الشرح، يجب التّوضيح أن سورة النجم سورة مكّية لا مدنيّة، فيما المعراج المزعوم وقع في السنّة الثانية من الهجرة، والتي لم يكن فيها الرسول عليه السلام بمكّة، ما دام التراثيون يقولون أن الصلاة فرضت على الرسول أثناء المعراج الذي وقع - حسب زعمهم - في السنة الثانية من الهجرة. وهذا تناقض صارخ لا يمكن تجاوزه والقفز عليه لاستحالة توضيحه دينا وعقلا ما دام التاريخ يكذّبه. ودليل أن سورة النجم مكّية هو أسلوب الشّجع والبيان البلاغي الذي يُميّز مبناها، والخاص بالسّور المكّيّة كما هو معلوم.
هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فالسورة كما هو واضح من معناها تحكي قصّة نزول الوحي لأوّل مرّة على الرسول عليه السلام بمكّة. حيث رأى مبعوث الله جبريل عليه السلام بفؤاده كما تؤكّد ذلك الآية 11 من السورة. ما دام الرسول كإنسان لا يستطيع رؤية الملاك الذي هو من نور. وبالتالي، فلا علاقة لهذه الرّؤية التي حدثت في مطلع نزول الوحي بمكّة، بما قيل عن المعراج الذي حدث في السنة الثانية للهجرة بالمدينة كما زعم الفقهاء، ما دام المبنى والمعنى معا يكذّبان ادّعاء التراثيين المفترين على الله ورسوله، والمضلّلين للأمة، إما بسبب الجهل، أو بسبب خدمتهم لأهداف سياسية لا علاقة لها بالدين من قريب أو بعيد.
أما بالنسبة للمعنى الموضوعي للآيات. فيُقسم تعالى في الآية الأولى من السّورة موضوع البحث بالنجم إذا هوى. ليعطي بذلك صورة ذهنية معبّرة ببلاغة جميلة. عن مغيب الشمس عند الأفول. وكأنها تهوي في واد سحيق بالصحراء. وهي إشارة رمزيّة لوقت نزول الوحي على الرسول عليه السلام.
ويؤّكد تعالى في الآية الثانية والثالثة من نفس السورة. أن صاحبكم ما ضلّ، ولا خرج عن الرشد، أو انحرف عن الصراط. لأنه لا ينطق عن الهوى، بل ما يقوله هو وحي أوحي به الله إليه وعلّمه إيّاه رئيس الملائكة جبريل عليه السلام. ومعلوم أن الوحي ليس بشيء مادي يُرى بالعين المجرّدة، بل هو نور كالوميض يحصل في لحظة خاطفة. فيُقذف في الرّوع المعنى المراد تبليغه مترجما، من اللغة الرمزية الإلهية إلى اللغة البشريّة. ما دام الوحي ينزل إلى كل رسول بلسان قومه.
وفي الآيات من الرابعة إلى التاسعة. يصف تعالى مبعوثه الكريم جبريل. بأنه ذو مرّة. أي ذو قوة عظيمة وجبروت رهيب ومرعب. فجبريل باللغة الآرامية القديمة تعني قوّة الله وجبروته. أما الاستواء الوارد في الآية 6. فيعني الثبات في المكان للظهور والتجلّي. حيث أوضح تعالى أن هذا المكان هو بالأفق الأعلى، أي بالأفق الذي تصل إليه حدود الرؤية لجهة غروب الشمس ساعة تلقي الرسول الأمين للوحي. والعجيب أنه نفس التوقيت الذي فرض فيه تعالى أول صلاة عمودية في اليوم تليها صلاة العشاء ثم الفجر، والتهجّد بنافلة قبل النوم، وفق ما جاء مبيّنا بوضوح لا لبس فيه في أكثر من آية وسورة في القرآن.
أما قوله تعالى في الآية 8: {ثم دنى فتدلّى}. فتأكيد على أن جبريل عليه السلام هو الذي تدلّى من السماء إلى الأرض وليس الرسول، لأن من يعرج إلى السماء لا يتدلى بل يصعد. بدليل قوله تعالى في الاية 9 من نفس السورة، أنه كان قاب قوسين أو أدنى. الأمر الذي يفيد أن جبريل عليه السلام بالحجم والضخامة بحيث أن أوله كان بالأفق الأعلى في السماء الدنيا لجهة غروب الشمس. فيما آخره كان قاب قوسين أو أدنى من الرسول الأعظم على الأرض. وعند هذا الاستواء بدأ جبريل يوحي للرسول ما أوحى كما تفيد الآية 10 من نفس السورة.
ثم ينتقل تعالى ليوضّح الطريقة التي تمّت بها رؤية رسوله الكريم لمبعوثه جبريل فيقول. إن هذه الرؤية قد تمت بالفؤاد لا بالعين المجرّدة. لأن البصر الوارد في الآية مصدره من البصيرة لا من الرؤية بالعين المجرّدة. بدليل. أن جبريل عليه السلام مخلوق من نور. والعين البشرية يستحيل أن ترى النور كما سبقت الإشارة. بما في ذلك عين الرسول عليه السلام. ما دام تعالى قد نفى أن يكون قد أيّده بمعجزة غير القرآن الكريم كما سبق التوضيح. لذلك استعمل تعالى الفؤاد في الآية، ليوضّح طبيعة الرؤية التي يتحدث عنها. بمعنى أنها تمّت بالفؤاد الذي شعر بوجود هذا النور دون أن يستطيع رؤيته. لأن النور لا تدركه الأبصار. بل هو الذي يدرك الأبصار فترى الأشياء بواسطته كما هو مؤكد قرآنيا وثابت علميّا. وهناك حديث لعائشة مفاده أن الرسول عندما سُئل إن كان قد رأى ربّه فقال: (نور أنّأ اراه). بمعنى كيف لي أن أراه؟.
وللذين يشكّكون في حقيقة هذه الرؤية بالفؤاد ويعتبرونها مجرد وهم. يقطع الله الشك باليقين فيخبر أنها ليست المرة الأولى التي رأى فيها محمد جبريل بفؤاده. فقد سبق وأن رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى. واستعماله تعالى لمفردة نزلة أخرى تفيد بما لا يدع مجالا للشك، وللمرّة الثانية، أن جبريل عليه السلام هو الذي نزل إلى الأرض بالتدلّي وليس الرسول هو من صعد إلى السماء بالمعراج.
ويؤكد تعالى هذا النزول الذي حدث أيضا في مرّة سابقة من خلال الإشارة إلى الموقع الذي تدلّى منه. أي {سِدرة المنتهى}. والتدلّي يفيد الحركة في نفس المكان دون انتقال بسبب ضخامة وهج نور رئيس الملائكة جبريل عليه السلام كما سبق القول. بحيث أن أوّله كان بالفق الأعلى، فيما آخره كان عند سدرة المنتهى حيث يقف رسول الله عليه السلام.
ومعلوم أن السّدرة هي من أقدم أنواع الشجر على الأرض. وتنبت في الصحراء، ولا تحتاج لكثير ماء، وتساهم في مقاومة التصحّر. كما أنها تثمر فاكهة حلوة تسمى العُنّاب أو النَّبق. وقد ورد ذكرها أربع مرّات في القرآن الكريم. خصوصا في الآية 16 من سورة سبأ، حيث أرسل تعالى سيل العرم على أهل اليمن عندما أعرضوا عن ذكر الله. فبدّل جنّاتهم بجنتين ذوات أكل مرّ وشيء من سِدر قليل. ما يشير إلى أن مكان ظهور جبريل في المرة الأولى كان من جهة اليمن. هذا المكان وكما أخبر عنه تعالى، هو الذي توجد خلفه جنّة المأوى. بمعنى أن جنة المأوى توجد مباشرة خلف برزخ يحجبها في السماء الأولى لا السابعة. ويؤيّد هذا المعنى إشارته تعالى في الآية السادسة عشر، إلى الحاجز الذي يغشى السدرة فيخفي جنّة المأوى عن الرؤية بالعين المجرّدة.
ومعلوم أن جنّة المأوى، من دون تعريف، هي غير الجنّة المُعرّفة بالألف واللام. بمعنى، أن جنّة المأوى هو مكان عام ومؤقّت يأوي إليه المؤمنون بعد الموت مباشرة في انتظار الساعة. وهي جنّة تشبه محطّة أولى يجتمع فيه المؤمنون قبل القيامة، ومن طبيعتها أنها مختلفة عن الجنّات المعرّفة، باعتبارها مجموعة جنّات تختلف أسماؤها باختلاف درجاتها، والتي خصّصها تعالى لعباده كل حسب ما قدّمه من عمل بعد الحساب يوم القيامة وليس قبله. من هنا وجوب التفريق بين الخلود والأبديّة. لأنه وفق القرآن الكريم. فجنّة المأوى هي المكان الذي تتجمع فيه أنفس المؤمنين بعد الموت مباشرة ليعيشوا الخلود الذي ينتهي بقيام الساعة كما سقت الإشارة. ليُسار بعد الحساب إلى تصنيفهم كل حسب الدرجة والمقام الذي يستحقه في الجنة الأبديّة التي ورد في القرآن الكريم بعض من أسمائها. وبالتالي. فلا وجود لعذاب القبر ولا نعيمه كما زعم التراثيون. وهو ما قمنا بشرحه بتفصيل في سلسلة فيديوهات على قناة (Quranic&Concepts) على اليوتيوب، بعنوان "الحياة بعد الموت". والتي فضحنا من خلالها الإرهاب الفكري الذي استعمله التراثيون على الناس ضدا في رحمة الله بهم.
أما المصدر الذي استمد منه التراثيون خرافة الإسراء والمعراج برغم نفي القرآن لها، فهو ما سنقوم بكشفه في المقالة القادمة بحول الله.
يتبـــع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق