بحث داخل هذه المدونة الإلكترونية

هل سيكون الماء سبب الحرب بين المغرب والجزائر؟

يجري الحديث في بعض وسائل الإعلام عن قرب اندلاع نزاع مسلّح بين المغرب والجزائر. ويقال إن الشعلة التي ستفجر برميل البارود الخامد حتى الآن هي قضية نذرة المياه. نظرا لأزمة العطش التي أصبح يعيشها الشعب الجزائري، خصوصا بعد إقدام المغرب على بناء ثاني أكبر سد قرب الحدود الشرقية، الأمر الذي سيؤدي إلى انحصار تدفق صبيب المياه من المغرب إلى البلد الجار.../...

هذا بالرّغم من أن المياه التي يجري الحديث عنها، تنبع من الأراضي المغربية، كما وأن السد المذكور يبعد عن الحدود الجزائرية بـ 500 كلم، الأمر الذي يجعل قضية الماء مجرّد شمّاعة يعلّق عليها نظام الكابرانات فشله في تدبير الموارد المائية لشعبه. ناهيك عن أزمة طوابير الجوع التي يعاني منها الشعب الجزائري المسحوق، برغم غنى بلده بالنفط والغاز.

والحقيقة، أن نجاح المغرب في إقامة مشاريع كبرى تتعلق بالبنية التحتية، واستقطابه لاستثمارات دّوليّة ضخمة في مختلف المجالات الحيوية والواعدة، حوّلته إلى أكبر قطب صناعي على مستوى إفريقيا، بالإضافة إلى تطلعه للتحوّل إلى لاعب دولي في مجال الطاقة النظيفة، والطاقة الأحفورية بفضل غاز نيجيريا والسنيغال وموريتانيا، وقراره الأخير القاضي بالتحوّل إلى دولة منتجة للأورانيوم المستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية، بهدف بيعها إلى أوروبا والدول الإفريقية، نظرا لتربّعه على عرش إنتاج الفوسفاط في العالم، باحتياطي يفوق 70%. الأمر الذي يؤهّله للعب دور قاطرة التنمية للدول الإفريقية الأطلسية وجنوب الصحراء.

 ولأن من يزرع الريح يحصد العاصفة، فها هي نبوءة المرحوم الحسن الثاني تتحقق. ففي الوقت الذي كانت فيه الجزائر تعمل جاهدة على تقسيم المغرب وانفصال جنوبه عن شماله، ها هو السيد فرحات مهني، رئيس حكومة القبائل المؤقتة، يعلن استقلال منطقة القبائل عن الجزائر، والقادم أعظم. خصوصا بعد أن ساءت علاقات الجزائر مع دول الجوار كموريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو والسينغال، بل وليبيا أيضا التي تطالب بأراضيها الغربية التي ضمّها الاستعمار الفرنسي إلى الجزائر. تماما كما فعل بالأراضي التونسيّة والصحراء الشرقية المغربيّة.

 ولأن المقاطعة الفرنسيّة المسمّاة بالجزائر، أصبحت معزولة عن محيطها الجغرافي الطبيعي، وفشلت بالتالي في القيام بدورها الوظيفي المتمثّل في حماية ورعاية مصالح أسيادها في إفريقيا، فمن المحتمل أن تدفعها الدولة العميقة في باريس إلى خلط الأوراق في المنطقة، من خلال إشعال فتيل حرب تجهض مشاريع المغرب الكبرى، وتغرقه في مشاكل الدفاع عن حدوده الموروثة من الاستعمار، بدل التوسع جغرافيا في محيطه الطبيعي من خلال ضم الصحراء الغربية والمطالبة بعدها بصحرائه الشرقيّة، بموازاة التوسع جيوسياسيا واقتصاديا في المنطقة الإفريقية الأطلسية ومنطقة الساحل جنوب الصحراء الكبرى.

لكن، ولمعرفة مدى جدّية هذا التهديد الذي أصبحت تروّج له المواقع الصحفيّة ومواقع التواصل الاجتماعي، سنعرض في هذا التحليل السياسي، المعطيات التي بني عليها هذا التخمين، لنصل في الخلاصة إلى السيناريو الأقرب إلى التحقق، بناء على المستجدات السياسية الأخيرة التي عرفها الفضاء الأوروبي والدولي من جهة، والمتغيرات الطارئة التي سيعرفها الوضع الداخلي في كل من الجزائر وفرنسا قريبا لا محالة.

الخلفية التاريخية للتّوترات 

التوترات بين المغرب والجزائر ليست جديدة، بل تعود إلى فترة ما بعد الاستعمار عندما اندلعت حرب الرمال في عام 1963. ومعلوم أن القضايا الرئيسية التي تسببت في التوترات تشمل النزاع حول الصحراء الغربية، ودعم الجزائر لجبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال المنطقة، في حين يعتبر المغرب الصحراء الغربية جزءاً من أراضيه التاريخية.

بناء السد وتأثيره المحتمل على العلاقات المغربية الجزلئرية

بناء المغرب لسد كبير في المنطقة الشرقية يهدف إلى تأمين المياه وتحقيق الأمن المائي في ظل التغيرات المناخية والجفاف. ومع ذلك، يعتبر هذا السد تحدياً كبيراً للجزائر، حيث يؤثر على تدفق المياه إلى أراضيها، ممّا يزيد من التوترات بين البلدين، بسبب أن الجزائر تعتمد بشكل كبير على الموارد المائية القادمة من المغرب لتلبية احتياجاتها الزراعية والصناعية. حسب ما تدّعي.

وقد بدأ المغرب في بناء سد كبير يعرف باسم "سد خنق جرُو" في مقاطعة فجيج، بالقرب من الحدود الجزائرية. ويعد هذا السد من بين أكبر المشاريع في إطار البرنامج الوطني لتوفير مياه الشرب والري للفترة 2020-2027. وتبلغ السعة التخزينية للسد حوالي 1.069 مليار متر مكعب من المياه. أما التكلفة، فتبلغ حوالي 886.48 مليون درهم مغربي، أي ما يعادل 95.8 مليون دولار أمريكي. ووفق مخطط المشروع، يهدف السد إلى توفير المياه للاستهلاك المنزلي والري، بالإضافة إلى السيطرة على الفيضانات الموسميّة. 

أما من حيث تأثير المشروع على العلاقات بين البلدين المتوترة أصلا، فإن بناء هذا السد قد يكون القطرة التي ستفيض الكأس، ليتحول الصراع من مناوشات ديبلوماسية حادة إلى مواجهة عسكريّة طاحنة. خاصة وأن الموارد المائية المشتركة بين البلدين قد تتأثر بهذا المشروع بشكل كبير وفق ادعاء الجزائر، هذا فيما السد يبعد أكثر من 500 كيلومتر عن حدود المغرب مع الجزائر، ما يؤكد أن موضوع السّدّ ليس في حقيقة الأمر سوى شماعة يريد أن يعلّق عليها نظام الكابرانات العميل والفاسد شماعة فشله. 

لأنه من ناحية القانون الدولي، لا يوجد ما يمنع المغرب من الاستفادة من موارده الطبيعية التي تنبع من أراضيه. كما وأنه من الناحية الاستراتيجية يعتبر المغرب هذا المشروع ضروريا لضمان أمنه المائي، وتوفير الموارد المائية الضرورية لساكنة المنطقة الشرقية التي عانت كثيرا من جائحة الجفاف بسبب التغيرات المناخية.  

التوترات الحالية والمستقبلية

ما من شك، أن العلاقات بين المغرب والجزائر تشهد تدهوراً ملحوظاً وتطوّرا تصعيديا، منذ قطع الجزائر للعلاقات الدبلوماسية مع المغرب في أغسطس 2021. كما وأن التصريحات العدائية والتصعيد العسكري من جانب الجزائر يزيد من احتمالية اندلاع صراع في المستقبل المنظور، وقد تشكّل نذرة المياه أداة للضغط السياسي والاقتصادي على الجزائر، الأمر الذي يؤشّر، وبقوّة، إلى قرب اندلاع انتفاضة شعبية عارمة، يصعب هذه المرة التعامل معها بالرصاص كما فعل نظام العسكر المجرم خلال ما عرف بالعشريّة السّوداء. وقد يكون هذا المعطى الموضوعي، هو الذي دفع المراقبين لتوقع اندلاع حرب بين البلدين الجارين، بهدف إجهاض الانتفاضة الشعبية القادمة.  

غير أنه من المحتمل وفق عدد من المؤشّرات، أن تتّجه الأمور نحو مناوشات عسكرية محدودة، لما يحمله صدام عسكري كبير من مخاطر على أمن المنطقة من جهة، ومصالح الدولة الكبرى من جهة أخرى. من هنا جاء اقتراح الولايات المتحدة الأمريكية عقد مؤتمر دولي لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وإعادة العلاقات بين البلدين كخطوة لإحياء الاتحاد المغاربي، الأمر الذي سيساهم لا محالة - في حال نجاح المؤتمر - في استقرار دول المنطقة وتنمية شعوبها، لما سيشكله من فرص استثمارية واعدة، وتحوّل المنطقة المغاربيّة إلى سوق تجارية كبيرة ومهمة سيستفيد منها الجميع. ولعل أبرز قوّة يكتسيها هذا المقترح، تكمن في الحد من ظاهرة تنامي الإرهاب العابر للحدود، والتغلب على مشاكل الهجرة غير النظامية التي تهدد أمن واستقرار أوروبا، والتي لا حل لها سوى تنزيل مشاريع تنموية تساهم في القضاء على الفقر والبطالة.

وإذا كان المؤتمر المقترح من قبل أمريكا يهدف إلى جمع أطراف النزاع (المغرب، الجزائر، موريتانيا، ومرتزقة البوليساريو) حول مائدة واحدة، بحضور القوى الفاعلة كأمريكا وروسا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا، وذلك لتدارس مقترح الحكم الذاتي الذي قدّمه المغرب كحل موضوعي وحيد للنزاع المفتعل، إلا أن حظوظ نجاح مثل هذا المؤتمر تكاد تكون مستحيلة. وذلك نظرا لأن الجزائر، مدفوعة من قبل فرنسا، ستتخذ موقفا متشددا تجاه المؤتمر، حيث سبق وأن رفضت مبادرات مشابهة في السّابق.

ولإفشال المؤتمر دون الإعلان عن عدم المشاركة فيه من باب المراوغة السياسية، ستحاول الجزائر بتوجيه من فرنسا، وضع شروط تعجيزية لعرقلة التوصل إلى حل جذري للنزاع.

الشروط المحتملة التي قد تضعها الجزائر فوق الطاولة

في حال قرّرت الجزائر المشاركة في المؤتمر الدولي المقترح لحل نزاع الصحراء المفتعل، فمن المحتمل أن تضع عدة شروط لضمان حماية مصالحها ودعم موقف جبهة البوليساريو. لعل أبرزها:

- الاعتراف بحق تقرير المصير: الجزائر قد تُصرُّ على أن يكون حق تقرير المصير للشعب الصحراوي شرطاً أساسياً لأي اتفاق نهائي بضمانة دولية. لأنه يتماشى مع موقفها الدّاعم لمطالب جبهة البوليساريو الانفصالية. حتى وإن كان تقرير المصير هذا يأتي بعد فترة معيّنة يُختبر فيها مقترح الحكم الذاتي المغربي. وهو ما سيعطى لما يسمّى بالشعب الصحراوي فرصة ليختار - في حال فشل المقترح المغربي - بين الاستقلال أو الانضمام النهائي إلى المغرب. الأمر الذي سيوفّر للجبهة الانفصالية فرصة تكتيكية لإفشال المرحلة التجريبية، ليتمّ بعد ذلك تنفيذ مرحلة الاستفتاء لتقرير المصير بضمانات دولية. 

- ضمانات أمنية وديبلوماسية: قد تطلب الجزائر ضمانات أمنية من الدول المشاركة لضمان عدم تعرضها لأي تهديدات نتيجة لموقفها من النزاع. كما وقد تطالب بضمانات دبلوماسية لعدم الضغط عليها لتغيير موقفها.

- إشراك الاتحاد الإفريقي: الجزائر قد تطلب إشراك الاتحاد الإفريقي في المحادثات، نظراً لدعم بعض الدولة المستمر لحق تقرير المصير في الصحراء. 

- إعادة فتح الحدود: في سياق تحسين العلاقات مع المغرب، قد تطلب الجزائر بإعادة فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ عام 1994، كجزء من اتفاق عام يشمل حل النزاع في الصحراء.

- دعم تنموي واقتصادي: الجزائر قد تطلب دعماً تنموياً واقتصادياً لتعويض تأثيرات النزاع الطويل على المنطقة، ولتعزيز الاستقرار الإقليمي. وكأنها هي المتضرر من النزاع المفتعل لا المغرب.

- التزام دولي بتطبيق الاتفاق: قد تطلب الجزائر التزاماً دولياً واضحاً بتطبيق أي اتفاق يتم التوصل إليه، بما في ذلك عقوبات محتملة على الأطراف التي قد تخل به.

- انسحاب القوات المغربية من المناطق المتنازع عليها: الجزائر قد تطالب بانسحاب القوات المغربية من المناطق المتنازع عليها كخطوة أولى نحو بناء الثقة وتهيئة الأجواء للحل السلمي الذي يخدم رؤيتها.

هذه الشروط تعكس مواقف الجزائر الداعمة لجبهة البوليساريو وحرصها على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكتسبات قبل الموافقة على حل النزاع.

لكن ماذا عن أوراق الضغط التي بيد المغرب؟

للمغرب أوراق حاسمة ضد الجزائر، لعل أبرزها وكما هو معلوم:

- سحب ملف الصحراء نهائيا من اللجنة الأممية: ما دام لا علاقة للقضية بتصفية الاستعمار، بعد أن استلم المغرب صحرائه من المستعمر الحقيقي الذي هو إسبانيا سنة 1975، ورفض مؤخّرا إقامة أيّة علاقة سياسيّة أو تعاون اقتصادي أو تجاري مع أيّة دولة لا تعترف بسيادة المغرب على الصحراء، بحيث تحوّل هذا الموضوع إلى المنظار الذي ينظر المغرب من خلاله إلى علاقاته مع دول العالم.

- عزل الجزائر عن العمق الإفريقي: بفضل مشروع فتح الطريق أمام دول الساحل للوصول إلى المحيط الأطلسي عبر موريتانيا وميناء الداخلة الدولي.  ونقصد بذلك مالي، والنيجر وبوركينا فاسو. 

غير أن روسا، ولأسباب سياسية اقترحت مشروعا منافسا يربط دول جنوب الصحراء الكبرى بشبكة سكك حديدية تمتد إلى المحيط الأطلسي. والدولة التي ستكون نقطة النهاية على المحيط الأطلسي لهذا المشروع هي أنغولا، وتحديدًا عبر ميناء لوبيتو. والحقيقة أن مشروع "ممر لوبيتو" يهدف في المرحلة الأولى إلى الربط بين الدول الأفريقية مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا مع الأسواق العالمية عبر ميناء لوبيتو في أنغولا. 

هذا المشروع يشمل بناء وتطوير شبكة سكك حديدية تمتد من المناطق الداخلية الغنية بالموارد الطبيعية مثل النحاس والكوبالت في الكونغو وزامبيا وصولاً إلى ميناء لوبيتو. كما ويسعى المشروع إلى تعزيز التجارة الإقليمية، وتوفير فرص اقتصادية كبيرة للدول المشاركة، بالإضافة إلى دعم التنمية الاقتصادية من خلال تحسين البنية التحتية للنقل. ويشمل المشروع أيضاً تحديث خطوط السكك الحديدية الحالية وإنشاء خطوط جديدة لتسهيل حركة البضائع والأشخاص.

المشروع الروسي لا يتوقف عند هذا الحد، بل مقرّر له أن يمتد في مرحلة ثانية ليشمل دولًا أخرى في المنطقة. ووفقًا لتقارير استخباراتية، تهدف روسيا إلى تعزيز وجودها في منطقة الساحل عبر تعزيز العلاقات مع الدول التي تعاني من عدم الاستقرار،  مثل: الجزائر، مالي، النيجر، وبوركينا فاسو. بدليل أن هذه الدول تشهد زيادة متسارعة في التعاون العسكري مع روسيا، خاصة من خلال الشركات الأمنية الروسية مثل مجموعة فاغنر التي أعيد تسميتها إلى "فيلق إفريقيا". 

هذه الشركات تقدم الدعم العسكري والتدريب لهذه الدول وللجماعات الإرهابية في المنطقة، مقابل الحصول على امتيازات اقتصادية مثل حقوق التعدين واستخراج الموارد الطبيعية. وهو الأمر الذي يمثل تحدّيا جيوسياسا واستراتيجيا كبيرا، ليس للمغرب فحسب، بل ولأمريكا وأوروبا أيضا.

والسؤال هو: إن كان التعاون المغربي الروسي في مجال المفاعلات النووية وإنتاج الأورانيوم، سيثني روسيا عن التوسع في مشروعها حتى لا يشكل تهديدا للمشروع المغربي؟  

- تحول المغرب إلى لاعب دولي في مجال الطاقة: بفضل خط أنبوب الغاز النيجيري الذي يمر عبر 14 دولة إفريقية أطلسية، بالإضافة إلى أنبوب غاز السينغال وموريتانيا، ثم قرار المغرب التحوّل إلى دولة منتجة للأورانيوم للاستخدام السلمي في إنتاج الطاقة الكهربائية، بحكم أن المغرب يمتلك 70%  من المخزون العالمي للفوسفاط. ليتحول بذلك إلى لاعب دولي في مجال الطاقة النظيفة، والأحفورية، والنّوويّة، الأمر الذي يهدد المصالح الاقتصادية الجزائرية على المدى المتوسط والبعيد.  بل والروسية أيضا في ماجل تصدير الغاز إلى أوروبا. خصوصا وأن الجزائر ، وبخلاف روسيا، لا تملك أوراقا قوية تستطيع إنقاذ وضعها الاقتصادي المزري غير النفط والغاز الذي بدأ الحديث عن قرب نفاذ مخزونهما في المدى المنظور والمتوسط. الأمر الذي دفع بالرئيس تبون لتبني قرار مثير للجدل هذا الأسبوع خلال تواجده باجتماع الدول الصناعية السبعة بإيطاليا، قضى بتسليم شركة إيطالية مشروع التنقيب عن الغاز الأحفوري. وهو ما يهدد بثورة شعبية وشيكة لا محالة، نظرا لمعارضة الشعب الجزائري لهذا المشروع المدمّر للبيئة والساكنة معا. 

- إعلان استقلال دولة القبائل: يحمل قرار استقلال منطقة القبائل الذي أعلن عنه رسميا هذا الأسبوع رئيس حكومة القبائل السيد فرحات مهني، بعد زيارته إلى لندن واجتماعه بعدد من لوردات مجلس العموم، تداعيات خطيرة كشفت عن مدى هشاشة النظام الجزائري وسوء تقديره للأوضاع، ورهانه على الوهم. وذلك بسبب ما يحمله مثل هذا الإعلان المزلزل من تداعيات خطيرة على الجزائر. أهمها:  

أولا. التناقض الدبلوماسي: الجزائر، التي تدعم حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، تجد نفسها الآن تواجه حركة انفصالية داخل حدودها. هذا التناقض قد يضعف موقف الجزائر على الساحة الدولية ويضعها في موقف دفاعي أمام اتهامات بالنفاق السياسي.

ثانيا. التصعيد الإقليمي: الدعم المغربي لحركة استقلال القبائل في إطار المعاملة بالمثل، يساهم في تصعيد التوترات الإقليمية بين الجزائر والمغرب. هذا التصعيد قد يؤدي إلى مزيد من التوترات السياسية، وربما الأمنية بين البلدين.

ثالثا: الضغط الدولي: الجزائر قد تواجه ضغوطاً دولية متزايدة للسماح بتقرير المصير لمنطقة القبائل، خاصة بعد استقبال وفود دولية بريطانية وغيرها لرئيس القبائل، وزياراته المرتقبة إلى واشنطن. وهذا قد يعزز المطالب الداخلية والخارجية للاستقلال، ويزيد من عزلة الجزائر الدبلوماسية. ليصدق فيها القول: "إذا كان سقف بيتك من زجاج، فلا ترمي بيت جارك بالحجر".

رابعا: ورقة التملّص الجزائرية: استنادا إلى هذا المستجد المتعلق بإعلان استقلال منطقة القبائل عن الجزائر، فقد تشترط الجزائر في المؤتمر المقترح عقده من قبل الولايات المتحدة، عدم الربط بين القضيتين: قضية القبائل وقضية الصحراء الغربية المغربية. وقد يكون مثل هذا الشرط ذريعة لعدم حضور المؤتمر، لعلم الكابرانات بما ينتظرهم من فشل نتيجة الضغوط الدولية التي لم تعد تحتمل إطالة هذا الصراع المفتعل في المنطقة.

ويعتبر توجّه المغرب إلى الرفع من ميزانية التسليح وقراره الأخير القاضي بتوطين صناعة السلاح، والذي تجسّد واقعا على الأرض من خلال إقامة عديد المشاريع الصناعية العسكرية مع دول حليفة وصديقة، بالإضافة لإنشاء منطقتين صناعيتين لإنتاج الأسلحة على الحدود الشرقية للمملكة، والحديث عن إقامة قاعدة عسكرية جد متطوّرة قرب مدينة مليلية المحتلة بشراكة إسرائيلية غير معلنة حتى الآن، حسب تقارير إعلاميّة جزائريّة وإسبانيّة،. كل هذه الإجراءات وغيرها، تعتبر أوراقا احتياطية للدفاع عن أمن المملكة الشريفة في حال فشلت الجهود الدولية في التوصل لحل سياسي للقضية. وهذا يعني أن المغرب يعتبر أن القضية قد وصلت إلى نهاية الطريق، ولم يعد هناك من فرصة لتحمّل المزيد من العهر الجزائري. 

لكن ماذا عن فرنسا؟

لا شك أن ما تسرّب من حديث عن دعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، والسعي للتصعيد ضد المغرب يأتي في إطار تعقيدات العلاقات الجيوسياسية في المنطقة. غير أن ما ينتظر كابرانات الجزائر بعد أسابيع قليلة سيكون أسوأ كابوس عاشوه خلال فترة توليهم الحكم في الجزائر. لكن قبل الحديث عمّا ينتظر نظام الكابرانات من مفاجآت، لا بأس من أن نعرج للحديث قليلا عن العلاقات الفرنسية الجزائرية.  

خلفية الدعم الفرنسي للجزائر:

- المصالح الاقتصادية: فرنسا تواجه أزمة طاقة نتيجة تقليل إمدادات الغاز الروسي بسبب الحرب في أوكرانيا، وتعتمد بشكل متزايد على الغاز الجزائري. والجزائر تعتبر مصدرًا مهمًا للطاقة بالنسبة لفرنسا، مما يدفع باريس للحفاظ على علاقات جيّدة مع الجزائر لتأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي.

- التاريخ الاستعماري: العلاقات بين فرنسا والجزائر معقدة بسبب التاريخ الاستعماري الطويل. ماكرون حاول عدة مرات إصلاح العلاقات مع الجزائر والتخفيف من آثار الماضي الاستعماري، وهذا يشمل زيارات متكررة وتبادل دبلوماسي مكثف. كما وأن الحفاظ على علاقات جيدة مع الجزائر يعتبر جزءًا من سياسة فرنسا لإعادة بناء الثقة والتعاون مع مستعمراتها السابقة.

- التوترات مع المغرب: العلاقات بين فرنسا والمغرب شهدت توترات في السنوات الأخيرة، خاصة بعد فضيحة برنامج التجسس "بيغاسوس" التي تضمنت مزاعم بتجسس المغرب على مسؤولين فرنسيين، وهو الأمر الذي نفته لجنة تحقيق برلمانية أوروبية قبل فترة. هذه التوترات دفعت فرنسا لاتخاذ مواقف أكثر حيادية أو حتى داعمة للجزائر في بعض الأحيان.

تأثير الدعم الفرنسي على التوترات الإقليمية: 

سيتغير الوضع بناء على السيناريو الذي سيكون عليه الوضع السياسي في فرنسا  بعد الانتخابات المقبلة:

* السيناريو الأول: في حال نجح الرئيس ماكرون في تجاوز أزمة الحكم وفاز حزبه بالسلطة في شهر يوليوز القادم، فلن يكون هناك تغيير جذري يذكر في السياسة الفرنسية تجاه البدين، بل من المتوقع أن تستفيد الجزائر من هذا السناريو نظرا لحاجة فرنسا إلى النفط والغاز الجزائري في المدى المنظور. وهو ما تعمل عليه الجزائر من خلال توظيف إمام مسجد باريس لتجنيد الجالية الجزائرية من أجل التصويت لحزب ماكرون. وفي هذه الحالة من المتوقع أن يحدث ما يلي: 

الضغط على المغرب: ستستخدم فرنسا علاقتها الوثيقة مع الجزائر كوسيلة للضغط على المغرب، خاصة في قضايا مثل الصحراء الغربية والتنافس على النفوذ في إفريقيا جنوب الصحراء. خصوصا بعد أن أصبح المغرب فاعلًا رئيسيًا في المنطقة، مما يجعله منافسًا لفرنسا في عدة مجالات اقتصادية وسياسية.

قضية الصحراء المغربية الغربية : ستحاول فرنسا الحفاظ على توازن دقيق بين دعمها التقليدي للمغرب ومصالحها الكبيرة مع الجزائر. هذا التوازن قد يؤدي إلى تعزيز موقف الجزائر في قضية الصحراء الغربية، مما يزيد من التوترات بين المغرب والجزائر.

التوقعات المستقبلية : في حال نجح "حزب ماكرون" في تولّي السلطة من جديد، فإن التوترات بين المغرب والجزائر مرشحة للاستمرار على المدى القريب، خاصة في ظل تصاعد المنافسة على النفوذ في المنطقة. وبالتالي، ستواصل فرنسا محاولاتها اللعب على الحبلين، للحفاظ على علاقات جيدة مع كلا البلدين، لكن التحديات الاقتصادية والجيوسياسية ستجعل من الصعب تجنب الانحياز لأحد الطرفين في المدى المنظور، ولن يؤدي التطبيع الاقتصادي التي تراهن عليه فرنسا في الصحراء إلى قبول المغرب بموقفها الانتهازي المنافق والغبيّ.

* السيناريو الثاني: في حال تسلم اليمين المتطرف السلطة في فرنسا، فمن المحتمل أن تكون هناك تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية للبلاد، مما قد يؤثر بشكل كبير على العلاقات مع المغرب والجزائر، وكذلك على الوضع في المنطقة بشكل عام. وذلك من خلال ما يلي:

- تشديد السياسات ضد الهجرة: اليمين المتطرف في فرنسا، كما هو الحال في العديد من الدول الأوروبية الأخرى، يتبنى سياسات صارمة ضد الهجرة. الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تزايد التوترات مع دول شمال إفريقيا، خصوصا الجزائر التي تعتبر جاليتها في فرنسا غير مرغوب فيها. وقد هددت ماري لوبان بعد نجاح اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية الأخيرة بإلغاء اتفاق وضع المهاجرين الموقع بين فرنسا والجزائر سنة 1968. الأمر الذي يبشر بإجراءات مشددة قد تصل إلى طرد عدد كبير من الجزائريين من فرنسا، خصوصا كبار المجرمين، وتجار المخدرات، واللصوص، والإسلامويين المعروفين بمواقفهم الداعمة للإرهاب والجهاد ضد الغرب الصليبي.

- تغيير في الدعم الدبلوماسي: اليمين المتطرف قد يتخذ موقفًا أكثر صرامة تجاه قضية الصحراء المغربية. بحيث يمكن أن يتبنى نهجًا أكثر تأييدًا للمغرب، على الرغم من أنه من المحتمل أيضًا أن يتخذ موقفًا متشدداً تجاه الجزائر، التي تدعم جبهة البوليساريو. وهذا قد يؤدي إلى تفاقم التوترات في المنطقة ويؤثر على الاستقرار الإقليمي لا محالة.

- السياسات الاقتصادية والتجارية: اليمين المتطرف قد يتبنى سياسات اقتصادية أكثر قومية وأكثر انغلاقا، مما قد يؤثر على العلاقات التجارية مع شمال إفريقيا. كما وقد يسعى إلى تعزيز الصناعات الفرنسية وتقليل الاعتماد على الواردات، مما يمكن أن يؤثر على التجارة مع المغرب بشكل خاص. وفي الوقت نفسه، قد تسعى فرنسا إلى تأمين موارد الطاقة من الجزائر بشكل أكبر لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة غير المستقرة، خصوصا مع استمرار حرب روسيا على أوكرانيا.

- التحالفات الدولية: يمكن أن يسعى اليمين المتطرف إلى تعزيز العلاقات مع دول تشاركهم نفس الرؤية السياسية، مما قد يؤثر على التحالفات التقليدية لفرنسا في شمال إفريقيا. وهذا قد يؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقات الدولية في المنطقة، حيث قد تجد فرنسا نفسها أكثر قرباً من دول أوروبية أخرى تتبنى سياسات مماثلة، كألمانيا وإيطاليا وبولندا، مع احتمال تأثير اليمين المتطرف في كل من هولندا وبلجيكا. وتعتبر ألمانيا وفرنسا، بعد خروج بريطانيا، عصب السياسة والاقتصاد في القارة العجوز.

 - التأثير على العلاقات الداخلية: ومن المحتمل أيضا، أن يؤدي وصول اليمين المتطرف إلى السلطة إلى تصاعد التوترات الداخلية في فرنسا بين الجاليات الجزائرية والمغربية، مما يمكن أن يؤثر على النسيج الاجتماعي في البلاد ويزيد من التوترات بين المجتمعات المحلية والسلطات.

الخلاصـــة:

تسلم اليمين المتطرف السلطة في فرنسا يمكن أن يؤدي إلى تغييرات جذرية في السياسة الخارجية للبلاد، مما يؤثر بشكل كبير على العلاقات مع المغرب والجزائر ويزيد من تعقيد الوضع في المنطقة. ذلك، أن إدارة هذه التغيرات المرتقبة، ستتطلب دبلوماسية حذرة وتوازنًا دقيقًا لضمان الاستقرار الإقليمي. 

لذلك على المغرب أن يعتمد على نفسه وعلى حلفائه الموثوقين كدول الخليج العربي، لما لهم من تأثير في السياسة الدولية، خصوصا السعودية والإمارات. وذلك لمساعدته سياسيّا ومعنويّا ومادّيا على تطوير إمكاناته، وزيادة قوته العسكرية بما يضمن حماية أمنه ومصالحه ومصالح حلفائه الجيوسياسية في المنطقة الإفريقية الغنيّة والواعدة التي أصبحت اليوم محط أطماع العديد من القوى الإقليمية والدولية. 

نقول هذا، لأن أيّة قوة إقليمية لا يمكن أن تكون فاعلة، وناجحة في تحقيق أهدافها وحماية مصالحها الجيوسياسية والاستراتيجية، من دون قوة عسكرية ضاربة. هذا ما يقوله التاريخ، وتؤكده أيضا تجارب الدول الإقليمية الناجحة.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق