بحث داخل هذه المدونة الإلكترونية

استراتيجية المغرب لتوطين الصناعات العسكرية

 

من أجل التحول إلى قوة إقليمية عظمى

مقدمـــة:

تُولي المملكة المغربية اهتمامًا كبيرًا بتطوير قدراتها الدفاعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات العسكرية. وتأتي هذه الاستراتيجية في إطار سعي المملكة لتعزيز سيادتها الوطنية على حدودها الحقّة، وتوطيد درها الإقليمي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية لتلبية احتياجاتها العسكرية. في هذا المجال، حتى تتحرر من الابتزاز الساسي والمساومات الانتهازية التي ما فتئت تمارسها الدول ذات العقلية الاستعمارية القديمة.../...


أهداف استراتيجية توطين الصناعات العسكرية

تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التسليح:

- تقليل الاعتماد على الواردات العسكرية من الخارج.

- تحسين قدرة المغرب على التصدي للتهديدات الأمنية.

- لعب دور صمام الأمان في المحيط الجيوسياسي والاستراتيجي للمغرب في المنطقة.

دعم الاقتصاد الوطني:

- خلق فرص عمل جديدة.

- تنويع الاقتصاد الوطني.

نقل التكنولوجيا والمعرفة:

- تعزيز التعاون الدولي.

- تطوير علاقات شراكة مع الدول الرائدة في مجال الصناعات العسكرية.

- المساهمة في تبادل الخبرات والتكنولوجيا.


محاور استراتيجية توطين الصناعات العسكرية

تطوير قاعدة صناعية عسكرية قوية:

- إنشاء مصانع محلية لإنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية.

- دعم البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في مجال الصناعات العسكرية.

- تعزيز قدرات الكوادر البشرية الوطنية.


تعزيز التعاون مع الشركات العالمية:

- إبرام عقود شراكة مع شركات عالمية رائدة في مجال الصناعات العسكرية المتطورة.

- الاستفادة من الخبرات والتكنولوجيا الأجنبية.

- نقل المعرفة والمهارات إلى الكوادر الوطنية.


دعم البحث والتطوير:

- تخصيص ميزانيات كافية للبحث والتطوير في مجال الصناعات العسكرية.

- إنشاء معاهد للتكوين في مجال الصناعات العسكرية المتطورة.

- إنشاء مراكز أبحاث متخصصة. ف تطوير تكنولوجيا الصناعات العسكرية.

- تشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال البحث والتطوير.

الدول المنخرطة في استراتيجية توطين الصناعات العسكرية بالمغرب:

فرنسا:

إلى وقت قريب، كانت فرنسا تعتبر الشريك الرئيسي للمغرب في مجال الصناعات العسكرية الخفيفة. فقد تم إبرام العديد من عقود الشراكة بين الشركات الفرنسية والمغربية في هذا المجال. كما وتقدم فرنسا للمغرب الدعم في مجال التدريب وتطوير القدرات. ومن هذه الأسلحة التي يصنّعها المغرب بتراخيص فرنسية: البنادق، والرشاشات، والمسدسات. بالإضافة إلى أنظمة الاتصالات الإلكترونية وتحديد المواقع. وهناك حديث عن صفقة لاقتناء غواصات فرنسية متوسطة، إلا أنه لا يوجد إعلان رسمي حول هذا الأمر حتى الآن، وكل ما يقال مجرد تكهّنات. لكن نظرا لسياسات فرنسا الخبيثة، ولعبها على الحبلين بين المغرب والجزائر، بدأ المغرب يتجه لتنويع شركائه في هذا المجال.

الولايات المتحدة الأمريكية:

تعززت العلاقات العسكرية بين المغرب والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.

فقد تم إبرام بعض الاتفاقيات بين البلدين في مجال التعاون العسكري، حصل بموجبها المغرب على أسلحة نوعية عزّزت من قدراته الدفاعية. وتقدم الولايات المتحدة للمغرب المساعدة في مجال مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود. حيق تعتبر أمن المغرب ومن أمنها الاستراتيجي، وترى فيه حليف موثوق، يمكن الرهان عليه للقيام بمهمة حماية الأمن الإقليم في المنطقة ضد التهديدات الإرهابية، وخصوصا الإيرانية التي تتخذ من الجزائر حصان طروادة لزعزعة أمن المنطقة وتهديد المصالح الأمركة والغربية. 

وأهم الأسلحة التي تزود بها أمريكا حليفها المغرب هي: طائرات إف 16 من الجيل الجديد، وهليكوبتر أباتشي صائدة الدبابات التي تعد الأخطر في مجالها حتى الآن، بالإضافة إلى صواريخ متطورة مضادة للدبابات من طراز "جافلين" و"تاو". وأنظمة المراقبة الإلكترونية للحدود. وقد حصل المغرب مؤخرا على أخطر الصواريخ الأمريكية التي لا تزود بها حتى حلفاءها الأطلسيين، ويتعلق الأمر بصواريخ "هيمارس"، الأمر الذي أثار مخاوف الجارة إسبانيا.

كما وقد اقتنى المغرب من الولايات المتحدة منظومة صواريخ متطورة مضادة للسفن من نوع "هاربوك بلوك 2".

ويسعى المغرب لعقد صفقة مع واشنطن لإنتاج بعض مكونات الطائرات العسكرية. بالإضافة إلى توطين صناعة طائرات "الدرون" أو الطائرات بدون طيار، من نوع 

 (MQ-9)، التي أثبتت تفوقها على أكثر أسلحة الجو تطورا على المستوى العالمي. ولأن الصفقات العسكرية الموجهة إلى المغرب تسهم في تعزيز الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، من خلال تدعيم أحد أكبر الحلفاء الرئيسيين من خارج “الناتو”، فإن المغرب قد يتجه إلى طلب الاستفادة من خبرات أمريكا في هذا المجال الاستراتيجي. 

إيطاليا:

تُعد إيطاليا من الدول المهمة في مجال التعاون العسكري مع المغرب. فقد تم إبرام بعض عقود الشراكة بين الشركات الإيطالية والمغربية في مجال الصناعات العسكرية، خصوصا فرقاطة "فريم" الإيطالية المخصصة للعمل في المهام المضادة للطائرات والغواصات والسفن، فضلا عن كونها قادرة على تنفيذ هجمات في العمق ضد أهداف برّية.  وتقدم إيطاليا للمغرب الدعم في مجال التدريب وتطوير القدرات. وأجرى المغرب مؤخرا مع إيطاليا محادثات معمقة لصناعة السفن الحربية محليا بتقنية إيطالية.

إسبانيا:

تُعد إسبانيا من الدول التي لها علاقات عسكرية وتجارية وطيدة مع المملكة. وقد تم إبرام بعض الاتفاقيات المهمّة بين البلدين في مجال التعاون العسكري. وتقدم إسبانيا للمغرب المساعدة في مجال تأمين الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية. وقد زودت المغرب مؤخرا بمجموعة من المناظير الليلة للاستعمال العسكري. وتصنع إسبانيا عديد السفن الحربية للمغرب.

لكنها تتوجّس من التعاون القائم في المجال العسكري بين المغرب وإسرائيل، مخافة أن يختل ميزان القوة لصالح المغرب، خصوص بعد أن أقام المغرب لاقط هوائي للاتصالات بقرب الحدود مع مدينة مليلية المحتلة، بالإضافة إلى مطار عسكري للطائرات الانتحارية التي حصل عليها من إسرائيل. الأمر الذي تعتبره إسبانها مقدمات لما قد يأتي لاحقا من مطالبة الرباط باسترجاع الثغور والجزر المغربية المحتلة. 

إسرائيل:

على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين المغرب وإسرائيل، إلا أن هناك تعاونًا عسكريًا مهما بين البلدين. فقد تم الكشف عن بعض صفقات بيع الأسلحة بينهما في السنوات الأخيرة. بحيث أصبحت إسرائيل ثالث مورد للأسلحة للمغرب. ويشار إلى أن هذا التعاون يثير قلق الجزائر بشكل كبير، بالإضافة إلى بعض دول أوروبا (إسبانيا نموذجا). 

وهناك حديث عن صفقة ضخمة لإقامة مصنعين في المغرب لتوطين صناعة الطائرات الانتحارية الإسرائيلية الأخطر على مستوى العالم. كما وأن المغرب حصل من تل أبب مؤخرا على نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي "باراك 8" المضاد للطائرات والصواريخ، والذي يعتبر الأقوى في الترسانة العسكرة الإسرائيلية على الإطلاق. بالإضافة إلى منصة إطلاق الصواريخ الإسرائيلية الفتاكة "بلوس". وهناك حديث عن صفقة لحصول المغرب على دبابات "ميركابا" من الجيل الحديث، والتي تعتبر مفخرة الصناعة العسكرية الإسرائيلية.

دول أخرى:

ويشار في هذا الإطار، أن المغرب عزز من تعاونه العسكري مع مجموعة من القوى الإقليمية الصاعدة، كالهند والبرازيل وتركيا. 

حيث اقتنى من تركيا نماذج من طارئة بدون طيار "بيرقادر"، التي تعتبر فخر الصناعة العسكرية التركية، وكان لها دور حاسم في الحرب الأذربيجانية - الأرمينية الأخيرة على إقليم "نغورني كراباخ". 

وحصل من البرازيل على منظومة إطلاق الصواريخ "أستروس أفيراس". ويجري محادثات معها لبناء سفن حربية وغواصات محليًا.


كما وأنه نجح في عقد صفقة مع الهند لتوطين صناعة العربات العسكرية المدرعة في المغرب، بالإضافة إلى صناعة مركبات نقل الجنود. ويجري الحديث أيضا عن توطين صناعة الدبابات. 

هذا وقد وافقت الإمارات العربية المتحدة مؤخرا على تزويد المغرب بـ 24 طائرة مقاتلة من نوع ميراج 2000-9 الفرنسية، لتستبدلها بطائرات "رافال" المتطورة.


وتجذر الإشارة أيضا إلى أن المغرب قتني مجموعة من الأسلحة من روسا والصين، برغم تحالفهما الاستراتيجي مع الجزائر، وخصوصا الطائرة بدون طيار الصينية التي تزود أضاف المغرب مجموعة منها إلى ترسانته العسكرية.


التحديات التي تواجه استراتيجية توطين الصناعات العسكرية:

من المهم ملاحظة أن استراتيجية توطين الصناعات العسكرية في المغرب لا تزال في مراحلها الأولى، وقد تتغير قائمة الدول المساهمة مع مرور الوقت. ومن أهمل التحديات التي تواجه المغرب في هذا المجال:

ارتفاع تكلفة مشاريع الصناعات العسكرية:

تتطلب مشاريع الصناعات العسكرية استثمارات كبيرة. وقد تواجه المملكة صعوبة في تمويل هذه المشاريع نظرا لإمكانياتها المحدودة. لكنها وبفضل الشراكة والتعاون مع الدول الحليفة والصديقة، خصوصا الخليجية، فإنها حتما ستنجح في تجاوز عقبة التمويل.

نقص الخبرات والكفاءات الوطنية:

قد لا يتوفر لدى المملكة العدد الكافي من الكوادر البشرية المؤهلة للعمل في مجال الصناعات العسكرية. لأن الأمر يتعلق بمجال جديد قرر المغرب الخوض فيه حديثا. وقد تحتاج المملكة إلى استقطاب خبراء من الخارج في المرحلة الأولى، وذلك في انتظار تكوين الأطر المغربية المتخصص والكافية. وهو ما أعلن عنه جلالة الملك محمد الخامس هذا الأسبوع، حيث قرر إنشاء أكاديمية للتكوين العسكري المتطور في مجال الصناعات والتكنولوجيا العسكرية، تستفيد منه كافة القوات البرية والبحرية والجوية. الأمر الذي ينمّ عن رؤية استراتيجية لدى عاهل البلاد لتحويل المغرب إلى قوة إقليمية وفاعلة في المنطقة. 

ذلك أن استراتيجية التوسع الاقتصادي والتجاري في إفريقيا، تتطلب قوة عسكرية وازنة لحمايتها من التهديدات الأمنية، سواء القادمة من الجماعات الإرهابية، أو الدول المارقة كجار السوء الجزائر. 


جدوى الاستثمار في توطين الصناعات العسكرية:

إنّ تأسيس صناعة عسكرية محليا يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية، وشراء المعدات، واستيراد التكنولوجيا، وتطوير القدرات البشرية، وهذا قد يشكل عبئًا على الميزانية في المدى القصير. لكن على المدى الطويل، يمكن أن يحقق للبلاد فوائد اقتصادية وعسكرية هام، لعل أبرزها:

تقليل الاعتماد على الواردات العسكرية:

- شراء الأسلحة من الخارج جد مكلف. وتوطين الصناعات العسكرية محليًا سيقلل من هذه النفقات.

خلق فرص عمل جديدة:

- ستُوفر الصناعات العسكرية المحلية فرص عمل جديدة للمواطنين المغاربة.

نقل التكنولوجيا:

- سيساعد تطوير الصناعات العسكرية على نقل التكنولوجيا والمعرفة إلى المغرب والمغاربة. مما قد يفيد قطاعات اقتصادية أخرى.

تعزيز مكانة المغرب الإقليمية:

- يمكن أن يصبح المغرب مركزًا إقليميًا لإنتاج الأسلحة. مما يعزز مكانته السياسية والاقتصادية.


فيما يتعلق بتصدير الأسلحة إلى الدول الإفريقية:

- هذا الهدف ممكن على المدى الطويل، لكنه لن يكون سهل المنال. نظرا لوجود منافسة قوية في السوق العالمية للأسلحة. وستحتاج الشركات المغربية إلى تقديم منتجات عالية الجودة بأسعار تنافسية لكسب حصة في السوق.

- كما وأن هناك أيضًا مخاوف أخلاقية، تتعلق ببيع الأسلحة إلى دول إفريقية دكتاتورية قد تكون غير مستقرة، أو قد تستخدم هذه الأسلحة في انتهاكات جسيمة لحقوق الأقليات.

- بشكل عام، إنّ قرار الاستثمار في توطين الصناعات العسكرية هو قرار معقد، له مزايا وعيوب. لكن من المهم إجراء دراسات جدوى شاملة لتقييم المخاطر والفوائد المحتملة. 

- ويبدو أن المغرب باتخاذه لهذا القرار وفق ما يستفاد من خطاب عاهل البلاد للجيش هذا الأسبوع، الأمر الذي يشير إلى أن الملك قد اتخذ قراره بناء على خطة محكمة ودراسة مستفيضة للموضوع، أخذا في الاعتبار احتياجاته الأمنية الوطنية على المدى القصير والمتوسط والطويل، والتأثيرات المحتملة لهذه الاستراتيجية على أمن واستقرار المنطقة، التي يتطلع المغرب لأن يلعب فيها دور صمام الأمان. 

- وعلى هذا الأساس، فما من شك أننا سنرى قريبا أولى بوادر تنفيذ الأمر الملكي السمي، خصوصا من قبل مؤسسة الجيش المعنية الأولى بهذه الاستراتيجية الوطنية الطموحة، بالإضافة إلى الحكومة. 

- إن من شأن هذه الاستراتيجية الطموحة أن تحوّل المغرب لا محالة، إلى قوة إقليمية حقيقية، بخلاف ما هو عليه حال القوة الجزائرية الوهمية، التي تتاجر بالشعارات الفارغة. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق