صدر مؤخرا للكاتب والمؤرخ الفرنسي برنارد لوغان، كتاب فريد من نوعه، نشرته دار Ellipses في فرنسا، ويتضمن لأول مرّة حقائق ووثائق وشهادات وحجج تاريخية عنيدة عن الصحراء المغربية، الأمر الذي جعل منه أول كتاب دقيق وجريء، يطرح الموضوع بشكل مباشر من خلال عشر أسئلة وأجوبة لا تقبل أية مراوغة ديبلوماسية أو تسويف سياسي، كما عوّدتنا قوى الشّرّ الاستعمارية وعملاءها الخونة للقفز على الحقائق، من بوابة استغلال القانون الدولي الإنساني، ومجلس الأمن الدولي الذي تمارس من خلاله القوى الاستعارية الخبيثة، كل ألوان العهر السياسي، لتكريس تدخلها في شؤون الدول الضعيفة، ضمانا لاستمرار مصالها الانتهازية على حساب الشعوب المستضعفة.../...
الكتاب الذي تناول قضية الصحراء الغربية المغربية بشكل موضوعي غير مسبوق، والذي تناقلت مقتطفات منه الصحافة الدولية، يعتبر بحق كتاب جد مفيد ومؤثر بشكل كبير، لأنه يعرض الحقائق التاريخية من أرشيف الدولة الفرنسية المسؤولة عمّا حصل من جهة، كما وأنه يطرح إشكالية الصحراء المغربية من خلال مجموعة أسئلة تتحدى كل أوجه النفاق السياسي، وتضرب أطروحة الانفصال الجزائرية في مقتل.
ولعل الخلاصة الهامة والمهمة التي يمكن استنتاجها من هذا الكتاب القيّم بكل ما تحمل الكلمة من معنى، هو أوجه الشبه الكبير الذي يجمع بين السياسة الاستعمارية البريطانية والسياسة الاستعمارية الفرنسية على حد سواء، علما أنهما الإمبراطوريتان اللتان كانتا تتقاسمان خرائط المنطقة العربية والإفريقية والأسيوية إلى وقت قريب، وتتحكمان في دولها، وتستغلان بأبشع الأشكال خيراتها، إلى أن اجتاحت ألمانيا النازية زمن هتلر القارة الأوروبية، وما تبع ذلك من حروب عالمية أولى وثانية، حيث سلمت بريطانيا وفرنسا مفاتيح إمبراطورتيهما المتداعية، إلى أمريكا باعتبارها القوة العظمى الجديدة والوريثة الشرعية لخيرات ومقدرات المستعمرات القديمة.
ومعلوم أن بريطانيا، وتنفيذا لوعد بلفور المشؤوم، خلقت كيانا سرطانيا وظيفيا في المنطقة العربية، ليكون بمثابة ثكنة عسكرية متقدمة، بذريعة حق شعب إسرائيل في وطن آمن على الأرض إسرائيل الموعودة. فيما الهدف الحقيقي كان ولا يزال هو تأمين مصالح الغرب في المنطقة الغنيّة بالنفط، ومنع أية محاولة للوحدة العربية أو الإسلامية انطلاقا من المشرق العربي، حتى لا يتكرر ما حدث إبان الفتوحات الإسلامية. وكان لسقوط الإمبراطورية العثمانية وتوغل الاستعمار البريطاني بتواطؤ عربي الفضل في نشأة الكيان الصهيوني آنذاك.
أما فرنسا، وعلى غرار ما فعلته الإمبراطورية البريطانية في المشرق العربي، خلقت كيانا وظيفيا في شمال إفريقيا، تحت مسمّى "دولة الجزائر"، والتي لم تكن يوما من أيام الله دولة حقيقية، لا بالمفهوم السياسي، ولا الاجتماعي، ولا الاقتصادي، ولا الجغرافي.. بشهادة الجغرافيا والتاريخ. هذا الكيان العسكري العميل والفاسد الذي اتخذ شرعيته الزائفة من كفاح المقاومة المدعومة من المغرب آنذاك، لا يعدو عن كونه ثكنة عسكرية متقدّمة مثلها مثل إسرائيل، الهدف منها كان ولا يزال حماية المصالح الفرنسية في إفريقيا، والعمل على منع أية وحدة يمكن أن تقوم بين دول المغرب العربي، كما يشهد الواقع منذ الاستقلال وإلى اليوم على ذلك، مخافة أن تتكرر تجربة الأندلس. الأمر الذي يبرّر من وجهة نظر القادة العسكريين الإسبان (حسب وثائق الأرشيف العسكري الإسباني)، احتلال الثغرين سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، باعتبارهما ثكنات عسكرية متقدمة لمنع أي مدّ إسلامي مستقبلي من المغرب في اتجاه أوروبا من بوابة الأندلس. غير أن ما كانت تخشاه أوروبا قد حدث بالفعل، لكن من بوابة الهجرة الشرعية وغير الشرعية بدل الاجتياح العسكري، حيث أصبح الإسلام يجتاح أوروبا دون قتال.
الكتاب الذي نتحدث عنه، نشر في 100 صفحة فقط، ويُعد بحق عملا توضيحيا رائعا، يلقي الضوء على قضية الصحراء الغربية المفتعلة بالحجج والوثائق والشهادات التاريخية الغير قابلة للدحض، لأنها تفك رموز المشكلة من أساسها، وذلك من خلال عشرة أسئلة وأجوبة يقدّمها الكتاب دون لفّ أو دوران.
كما وأن الكاتب عزّز مؤلّفه الفريد، بمقتطفات من كتابات تاريخية حول الموضوع، ومقالات صحفية، وخطابات رسميّة لشخصيات تاريخية، ونصوص لمعاهدات دولية، بالإضافة إلى ستة عشر خريطة، مأخوذة من عمل نشر في عام 1891، يوضح أنه بالنسبة للجغرافيين الفرنسيين في ذلك الوقت، فإن الصحراء "الغربية" بقدر ما هي الصحراء "الشرقية" كانت أرضا مغربية بلا منازع، ولم يكن حينها وجود لشيء أسمه "الدولة الجزائرية"، التي هي في حقيقة الأمر صنيعة فرنسا. وأن دعم كابرانات العسكر للكيان الوهمي المسمى بـ: "الجمهورية الصحراوية" كان بهدف مساعدة فرنسا على تقزيم دور المغرب في المنطقة، ليظل مجرد حديقة خلفية لها مثله مثل بقية الدول التي وهبتها فرنسا الاستقلال الصوري، على أن تبقى متحكمة في سياساتها وخيراتها لمئة عام قادمة، وفق ما نص على ذلك اتفاق "إكس ليبان" المشؤوم.
ولأن فرنسا هي من تمتلك الوثائق التاريخية التي تلقي الضوء على قضية الصحراء المغربية، وبسبب تستّرها على الوثائق التي بحوزتها، لم تستطع وسائل الإعلام الدولية عموما والمغربية على وجه الخصوص، معالجة المشكلة بطريقة موضوعية، لأن الكثير من الطروحات الدفاعية كانت تتسم بالنزعة العاطفية البعيدة عن العقلانية.
وهنا، يمكن القول، أن الكتاب، وإن جاء متأخرا، إلا أنه نجح في إزالة الضباب عن الرؤى المشوّشة والأطروحات المشوّهة التي اختلط فيها الحق بالباطل نتيجة البروباغاندا السياسية الجزائرية المغرضة.
يقول المؤرخ برنارد لوغان عن الصحراء المغربية الكبرى بلغة القانون الدولي: "إنها قصة دولة مزقها الاستعمار" (ويقصد بذلك الدولة المغربية الشريفة)؛ دولة ذات سيادة تم بترها بشكل مضاعف خلال فترة التقسيمات الاستعمارية، من جهة من قبل فرنسا في شرق المملكة التي ضمت تدريجيا إلى صنيعتها الجزائر الأقاليم المغربية (توات، والساورة، وتيديكلت، وغورارة، وتندوف؛ ومن جهة أخرى، إسبانيا من الجنوب، التي احتلت الساقية الحمراء ووادي الذهب)، مما جعلها مستعمرة للصحراء الغربية.
ورغم أن المغرب استعاد استقلاله سنة 1956، إلا أنه افتقر إلى إعادة تشكيله بالكامل داخل حدوده الحقّة ما قبل الاستعمار. وفي سابقة تاريخية مزلزلة تتعلق بالأراضي المغربية التي انتزعها الاستعمار البغيض من خريطة المملكة وألحقها بالجزائر إبّان الاستعمار، سواء في الشرق أو الجنوب، نصت الأمم المتحدة في قرارها رقم 1514 المؤرخ في 14 ديسمبر 1960 على ما يلي: “لا يمكن أن يكون للأراضي الاستعمارية المنتزعة من دولة ذات سيادة أي شكل من أشكال إنهاء الاستعمار بخلاف إعادة إدماجهم في البلد الأصلي الذي تم فصلهم عنه".
وهو ما يضرب أطروحة الجزائر في مقتل، والتي تقول بأن قضية الصحراء الغربية هي في الأصل مسألة تصفية استعمار. فعن أي استعمار يتحدث كابرانات فرنسا الأغباء؟ وها هو القانون الدولي وقرار الأمم المتحدة يدحض زعمهم المغرض ويحطم أوهامهم التوسعّة.
ومع ذلك، يقول برنار لوغان: "وهو وضع غير عادي وغير محتمل". فقد طُلب من المغرب ليس فقط التصديق على خسارة أقاليمه في الشرق لصالح الجزائر، التي كانت آنذاك "ملكية فرنسية" (لأنها لم تكن دولة لتسمى مستعمرة، بل كانت مجرد أرض تَعاقب على استغلالها الاستعمار منذ فجر التاريخ وإلى عام 1962 حين قرت فرنسا وليس الأمم المتحدة تحويلها إلى تكنة عسكرية خاصة بها تحت مسمى "دولة". مثلها مثل إسرائيل التي أنشأتها بريطانيا لنفس الوظيفة والغاية.
بدليل أن الذي أسس هذه الملحقة الاستعمارية في شمال إفريقيا تحت مسمّى "الجزائر". ونقصد بذلك الجنرال تشارلز ديغول، سبق وأن أعلن في تصريح رسمي على التلفزيون الفرنسي تناقلته في حينه عديد المواقع الإعلامية الدولية، ما نصّه:
"منذ أن أصبح العالم هو العالم، لم تكن هناك وحدة قط، ناهيك عن السيادة الجزائرية. القرطاجيون، الرومان، الوندال، البيزنطيون، العرب السوريون، عرب قرطبة، الأتراك، الفرنسيون، دخلوا بدورهم إلى البلاد، دون أن تكون هناك، في أي وقت، بأي شكل من الأشكال، دولة جزائرية".
هذه حقيقة تاريخية قد تكون صادمة، لكنها تعتبر شهادة موضوعية لرئيس دولة بحجم ديغول الذي حرر فرنسا من الاستعمار النازي بمعية الحلفاء، ويعتبر الأب الروحي للملحقة العسكرية الفرنسية المسماة بـ "الجزائر".
وبرغم ذلك، خرج كيان الكابرانات الخائن دون خجل أو حياء، وكما هي عادة العاهرات وهي تدافع عن الشرف، ليطالب المغرب رسميّا بالقبول بإنهاء استعماره للصحراء الغربية التي استردها من الاستعمار الإسباني سنة 1975. وبالنسبة للجزائر، أصبحت "جمهورية الصحراء الغربية" كيان زائف تابع لدولة لقيطة إسمها الجزائر، بهدف ابتلاع المزيد من الأراضي المغربية وضمها إليها تحت مسمّيات مخاتلة، وباسم حقوق وهمية لا وجود لها إلا في مخيّلة العسكر المريضة. فيما هدفهم الأساس كان ولا يزال، فتح معبر يتيح لهم الإطلالة على المحيط الأطلسي. وهو الأمر الذي أغرى روسيا في مرحلة من التاريخ زمن الحرب الباردة، بعد أن فقدت دعم إسبانيا للحصول على موقع في المحيط الأطلسي عقب وفاة الجنرال فرانسيسكو فرانكو سنة 1975، وانحصار دور الفاشية في شبه الجزيرة الإيبيرية مع تولّي الملكية للحكم، وتحول إسبانيا إلى دولة ديموقراطية، بفضل نظام الملكية البرلمانية.
وواضح أن ما سعت إليه الجزائر ولا تزال، هو محاولتها وبكل الوسائل والسبل، الانتقام من المغرب، بدافع الغيرة والحقد والحسد ليس إلا. متجاهلة ما قدّمه الشعب المغربي للشعب الجزائري الشقيق إبان الاستعمار من دعم معنوي ومادي وعسكري، لدرجة أن نساء المغرب كانت تبيع أساورها الذهبية لدعم المقاومة الجزائرية، كما وأن الشعب المغربي الكريم تبرّع في أحد المرات لأشقائه في الجزائر بقيمة جلود أضاحي عيد الأضحى دعما لمقاومة الاستعمار. وهو الأمر الذي أغضب فرنسا. ورغم ذلك، ها هي حكومة الكابرانات اللقيطة لا شغل لها اليوم ولا مشغلة، غير محاولة إضفاء شرعية غير مشروعة على وجودها الوهمي كدولة، وذلك من خلال سرقة التاريخ، والتراث، والثقافة المغربية الأصيلة.
ونأت الآن إلى بعض أسئلة وأجوبة المؤرخ برنار لوغان المهمّة والدقيقة والكاشفة:
- سؤال: هل كانت هناك في الماضي دولة تسمى “الصحراء الغربية”؟
• جواب: لا يحتفظ التاريخ بأي أثر لها بأي شكل من الأشكال. (وهذا بالضبط ما سبق وأن قاله الأمين العام للأمم المتحدة قبل بضعة أشهر، من أن التاريخ لا يذكر وجود كيان سياسي مستقل في الصحراء الغربية).
- سؤال: هل يوجد "شعب صحراوي"؟
• جواب: نعم، لكن فقط إذا أضفنا كل سكان الصحراء الكبرى من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، سواء في المغرب، موريتانيا، ليبيا، تشاد، النيجر، مالي، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر...؛ ولكن ليس بأي حال من الأحوال، بالمعنى الجغرافي الذي قصدته الجزائر. ومعلوم أن سكان الصحراء هم بدو رحّل لا يستقرّون في مكان معيّن، وليس لهم كيان سياسي موحد يذكره التاريخ.
وبالتالي لا يوجد معطى جغرافي يمكن أن يعتبر الصحراء الغربية بمثابة وعاء لشعب صحراوي مزعوم ، بدليل أن البدو الرحل في المنطقة كانت تربطهم ومنذ فجر التاريخ أواصر البيعة مع المملكة المغربية الشريفة.
يقول برنار لوغان في هذا الصدد: "معظم قبائل الصحراء الغربية المغربية، في الواقع، لها علاقات مع بقية المغرب حيث جاء أسلافها أو مؤسسوها"، ويوضح ذلك بالقول: "كان معظمهم يتواجدون شمال المغرب وامتدت مناطق الترحال الهائلة الخاصة بهم حتى منطقة ملوية السفلى والأطلس الصغير، دون أن ننسى طقوس البيعة وعلاقات الولاء للسلطان المغربي، المدرجة في التاريخ الطويل للأسس القانونية لدولة عمرها أكثر من ألف عام، وهي الطقوس التي تعبّر عن السيادة الروحية والزمنية (الدينية والدنيوية)، وتمثل دليلاً على شرعية الانتماء الإقليمي من خلال القانون، لذلك - حاولت أوروبا تجاهل هذه الخصوصية الدينية والتاريخية التي تميّز علاقات الولاء في المنطقة، لتفرض بدلها المفاهيم الغربية في تجاهل تام للخصوصيات الأفريقية أو الآسيوية، باعتبارها مفاهيم قانونية أوروبية صحيحة ووحيدة، مع أنها لم تولد إلا في القرن الثامن عشر ولس قبل ذلك.
- سؤال: هل كانت الصحراء الغربية مغربية تاريخيا؟
• جواب: هناك جواب واحد ومتعدد، ويتمثل فيما يلي:
أليست هي مصفوفة الأمة المغربية مند عدة سلالات؟
وتقام صلاة الجمعة هناك باسم السلطان الذي يعين ولاة يمارسون السلطة باسمه طوال تاريخ امتد لأكثر من ألف عام؟
وفي عام 1886، وصف السلطان مولاي الحسن الأول، في رسالة رسميّة، سكان وادي الذهب بأنهم "رعايا مخلصون"، وقام أيضًا بتسليح المقاومة المناهضة للاستعمار في الصحراء، والتي كانت تتم باسمه من خلال الخطب في المساجد؛ في حين كلف السلطان مولاي عبد العزيز الرئيسين البوسعيدي والشتوكي بمراقبة الشريط الساحلي من طرفاية إلى رأس بوجدور.
ولتأكيد الطبيعة المغربية للصحراء الغربية، فإن الوثائق الدولية تؤكد ذلك من خلال التقارير الإدارية، والاتفاقيات، والمراسلات بين القوى الأوروبية، بالإضافة إلى معاهدات السلام أو التجارة أو الصداقة منذ القرن السادس عشر.
ومن الأمثلة الأخرى الواردة: المعاهدة المغربية الإسبانية لسنة 1799 المتعلقة بحماية "جلالة السلطان" للسفن الإسبانية الغارقة "ما وراء سوس أو واد نون".
كما وصرح رئيس المجلس الإسباني للسفير الفرنسي في مدريد عام 1891 بالقول: "لقد كان من المسلم به دائمًا أن السيادة الإقليمية للسلطان تمتد إلى حدود سيادته الدينية، وكما لا شك أن سكان كيب تاون والجوبي (أو رأس بوجدور أو بوجدور) تخضع لها من الناحية الدينية، ويمكن اعتبار سيادتها أمرا لا جدال فيه. وهذا يعني أن السيادة السياسية كانت مرتبطة بشكل وثيق بالسيادة الدينية عبر التاريخ. فأين يذهب كابرانات العسكر من هنا؟
ثم ماذا يمكن أن نقول عن استمرار الروابط الاقتصادية المتوارثة مع الظهور المبهر لتداول العملة الموحدة من الشمال إلى الجنوب؟ والمقصود بها عملة الدولة المغربية الشريفة.
وإذا كانت فرنسا اقترحت بعد ذلك، في عدة مناسبات، التفاوض مع المغرب حول موضوع بتر الأراضي في الشرق وإعادتها إلى المملكة الشريفة، فإن المغرب رفض من حيث المبدأ، في انتظار أن تحصل الجزائر على استقلالها. باعتبار أن المسألة يمكن معالجتها ودّيا بين شعبين شقيقين. ولم يكن يتوقع حينها خيانة ما كان يعتبرهم أشقاء.
وعلى نبل هذه اللفتة، فإن الجزائر ترد، ليس باستعادة الصحراء الشرقية المغربية التي نهبت من طرف الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية وضمتها إلى أراضيها، بل بخلق صراع مصطنع من خلال استضافة ودعم بكل الوسائل مجموعة إرهابية مسلحة، تهدف بالتالي إلى إنشاء دويلة تابعة صغيرة في الصحراء الغربية المغربية، كوسيلة لصرف المغرب عن المطالبة بصحرائه الشرقية من جهة، ولكسر جيبه القاري الإفريقي في أعقاب الخطط الأكثر تطرفًا للقوة الاستعمارية السابقة من جهة ثانية، مع عزل المغرب عن إفريقيا حتى لا يتحوّل إلى قطب القارة، وسيد الساعة، فينزع البساط من تحت أقدام عسكر فرنسا في المنطقة.
وهذا بالضبط هو ما يقلق فرنسا الخبيثة، خوفا على مصالحها في حال تحوّل المغرب إلى قوة إقليمية وقاطرة للتنمية في إفريقيا الأطلسية وجنوب الصحراء.
لكن، هل تنجح فرنسا من خلال الكيان الوظيفي المسمى الجزائر في تحقيق أهدافها الإمبريالية القديمة الجديدة؟
هذا مستحيل، والدليل أن إسرائيل التي هي أقوى من الجزائر، وبرغم الدعم الدولي الكبير، وسلسلة الحروب والأزمات التي لا تنتهي، إلا أنها لم تنجح في توطين كيانها كدولة طبيعية مقبولة في المشرق العربي. فما بالك بتكنة فرنسا العسكرية المسماة بـ "دولة الجزائر".
اليوم يتضح للمحلل الموضوعي أن زمام الأمور قد فلتت من يد فرنسا، وأصبح الأمر بيد المغرب الصاعد بسرعة وبقوة بفضل ذكاء أسد إفريقيا وحنكته السياسية وصبره الجميل الذي نال إعجاب العالم من عرب وعجم، ناهيك عن موقع بلاده الجيواستراتيجي الذي يعد البوابة الإلزامية لكل من يرغب المرور إلى إفريقيا.
وعودة للكتاب، يخلص برنار لوغان إلى أنه منذ عام 2020، تسارعت الأحداث بين اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، ودعم إسبانيا لمخطط الحكم الذاتي المغربي، الذي دعمته في عام 2024 حوالي مائة دولة، وفتح 28 قنصلية عامة في العيون والداخلة بالإضافة لإسرائيل.
وبذلك يكون التاريخ قد أنصف المغرب وأعاد الأمور إلى نصابها. وأصبحت قضية التسليم بسيادة المغرب على صحرائه مسألة وقت ليس إلا، خصوصا بعد أن حول العاهل المغربي الوحدة الترابية إلى نظارة ينظر من خلالها إلى تحالفاته الاقتصادية الدولية. تمهيدا لفتح ملف استرجاع الصحراء الشرقية بشكل رسمي لدى المنتظم الدولي.
أما مصير الجزائر، فلا يبشر بخير بسبب الفساد والأوضاع المزرية التي يعيشها الشعب الشقيق، هذا فيما ذهب المغرب بعيدا في مسار التنمية، فتحوّل في ظرف 20 سنة فقط إلى مصنع إفريقيا، وقاطرة التنمية للدول الإفريقية المستضعفة التي انتفضت ضد الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية الفرنسية، وربطت مصيرها بمصير المغرب كقوة إقليمية صاعدة وواعدة.
وحيث أن حماية القوة الاقتصادية والمالية للدولة يتطلب قوة عسكرية مناسبة، فها هو المغرب يحقق المعجزات في هذا المجال وبوثيرة سريعة، ضمانا لأمنه وسلامة شعبه واراضيه، وحماية للأمن والسلم والاستقرار في المنطقة، بالتعاون مع حلفائه.
والسؤال هو: هل ستعمل فرنسا على إشعال فتيل الحرب بين المغرب وكيانها العميل في الجزائر، لإجهاض الحلم المغربي والإفريقي وإعاقة المملكة الشريفة عن تحقيق أهدافها المشروعة؟
الجواب يقرأ بين سطور السياسة الفرنسية الخبيثة التي بدأت تروّج لحرب محتملة بين المغرب والجزائر تندلع في البحر البيض المتوسط. مراهنة بذلك على تفوق الأسطول البحري الجزائري على نظيره المغربي، وكأن الحرب إذا اندلعت ستقتصر على البحر الأبيض المتوسط فقط؟ هذا علما أن مثل هذه الحرب في حال قيامها ستزعزع استقرار أوروبا والمنطقة برمتها. وهو الأمر الذي لا يصب في مصلحة أوروبا بالمطلق.
والحقيقة أن فرنسا تسعى من خلال الترويج لمثل هذه الأطروحة الزائفة التي هي بمثابة فزاعة ليس إلا، إلى ابتزاز المغرب والاستمرار في اللعب على الحبلين بغباء. وهي سياسة فاشلة لن تؤتي أكلها نظرا لوعي شعوب المنطقة بخلفياتها وأهدافها وتبعاتها.
وإذا كان قدر المغرب المسالم أن تفرض عليه الحرب، فإن الله قادر على نصر أصحاب الحق وهزيمة الظالمين. ويكفي أن يرفع أمير المؤمنين الآذان في غير أوقات الصلاة، ليهب الشعب المغربي عن بكرة أبيه كرجل واحد، بجانب الجيش المغربي البطل، لتسريع لقاء كابرانات الجزائر عملاء فرنسا الخونة مع الله العلي القدير، لينالوا منه ما يستحقون من عذاب أليم في أصل الجحيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق