بحث داخل هذه المدونة الإلكترونية

المغرب والجزائر.. صراع حدود أم صراع وجود؟

 

هل الحرب قادمة؟...

سباق تسلح محموم

تشهد منطقة شمال إفريقيا توترات متزايدة بين الجارتين المغرب والجزائر، تتجلى بشكل خاص في سباق تسلح متسارع ومحموم، يثير القلق، ويطرح على المراقبين والمواطنين العاديين سؤال إن كانت حرب قادمة لا محالة؟ أم أن هناك عوامل خارجية تمنع قيامها؟.../...

علاقات تاريخية معقدة


تربط المغرب والجزائر علاقات تاريخية وثقافية عميقة، لكنها اتسمت أيضًا بالتوترات السياسية على مر السنين. 

ففي العصر الوسيط كانت المغرب والجزائر جزءًا من العديد من الإمبراطوريات الإسلامية المتعاقبة، بما في ذلك الأمويين والعباسيين والمرابطين والموحدين. تلي ذلك الاحتلال التركي الذي استمر في الجزائر لما يزيد عن خمسة قرون، فيما ظل المغرب في منأى عنه.

غير أنه في الحقبة الاستعمارية الأخيرة، خضعت كلتا الدولتين للاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر، مما أدى إلى تقسيم المنطقة وتغيير حدودها. حيث ضمت فرنسا الخبيثة أجزاء واسعة من صحراء المغرب الشرقية إلى نطاق حكمها في الجزائر.

وقد نالت المغرب والجزائر الاستقلال عامي 1956 و1962 على التوالي، لكن العلاقات بينهما ظلت متوترة بسبب الخلافات حول الحدود، والموارد، والزعامة الإقليمية، بالإضافة إلى مسألة الهوية الوطنية. 

وهو الأمر الذي أدى إلى نشوب حرب الرمال سنة 1962، حيث بدأت بشكل مفتوح في ضواحي منطقة تندوف وحاسي بيضة، لتنتشر إلى فكيك المغربية. ثم توقّفت بعد ذلك بضعة شهور بضغوط دولية، أسفرت عن قيام الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية بمفاوضات انتهت لاتفاق وقف إطلاق النار.

لتظل قضية الحدود بين المغرب والجزائر قائمة إلى اليوم، برغم تعهد النظام الجزائري قبيل الاستقلال بإعادة ترسيمها ودّيا كما كانت قبل الاستعمار. الأمر الذي أدى إلى غلق الحدود البرية بين البلدين منذ عام 1994.

كما وعرفت العلاقات المغربية - الجزائرية خلال المراحل السابقة تنافسا كبيرا على الموارد، مثل الغاز الطبيعي، والماء، والحديد الذي استأثرت الجزائر باستغلاله في تندوف دون إشراك المغرب احتراما لما نصت عليه اتفاقية وقف إطلاق النار بينهما، مما أدى إلى خلافات عميقة تفاقمت مع مور السنين.

يضاف إلى ما سلف مسألة الهوية الوطنية، والتي يرى بعض الجزائريين واهمين، أن المغرب جزء من الجزائر الكبرى، ضدا في حقائق التاريخ والجغرافية التي تؤكّد العكس تماما. من هنا جاءت محاولات الجزائر المتكررة للاستيلاء على الهوية والثقافة والتراث المغربي، في محاولة يائسة وبئيسة لصنع تاريخ مزوّر بالسرقة. 

وفيما له علاقة باحتمالات الحرب في المستقبل، هناك عديد المعطيات التي تتطلب منا البناء عليها ليتّسم تحليلنا بالموضوعيّة، بعيدا عن التهويل والمزايدات السياسوية.

التوازن العسكري بين المغرب والجزائر 


أرقام وحقائق

تشهد شمال إفريقيا منذ سنوات سباقًا محمومًا في التسلح بين المغرب والجزائر، الجارتين المتنافستين. حيث تُخصص كلتا الدولتين موارد مالية ضخمة لتحديث جيوشها وتطوير قدراتها العسكرية، مما يثير قلق المراقبين في المنطقة والعالم.

العوامل المؤثرة على التوازن العسكري

القوة البشريّة 

- المغرب: يمتلك الجيش المغربي حوالي 193,000 جندي نشط، مع احتياطي قوامه 165,000 فرد. 

- الجزائر: يمتلك الجيش الجزائري جيشًا أكبر بكثير، حيث يبلغ عدد أفراده 790,000 جندي نشط، مع احتياطي قوامه 270,000 فرد.

الميزانية الدفاعية

- المغرب: خصص المغرب 5.2 مليار دولار لميزانية الدفاع في عام 2023، أي ما يعادل 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي.

- الجزائر: خصصت الجزائر 22 مليار دولار لميزانية الدفاع في عام 2023، أي ما يعادل 20% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعلها صاحبة أكبر ميزانية دفاعية في إفريقيا.

العتاد والأسلحة

- المغرب

- الدبابات: يمتلك المغرب ما يقارب 1.200 دبابة من مختلف الأنواع، ويعمل على الزيادة في عدد الدبابات.

- الطائرات المقاتلة: يمتلك المغرب أسطولًا من 60 طائرة مقاتلة، ويعمل حثيتا على تنويع ومضاعفة أسطوله الجوّي.

- الطائرات بدون طيار: عزّز المغرب قدراته بشكلٍ كبير في مجال الطائرات بدون طيار من خلال شراء الطائرات التركية المُتطورة، والتي أثبتت فعاليتها في حرب "ناغورني كاراباخ" ضد "أرمينيا". بالإضافة إلى الطائرات الانتحارية الإسرائيلية. ونموذج متطور من الطائرات الصينية. ويشار إلى أن إسرائيل أقامت مصنعا للطائرات الانتحارية في المغرب، الأمر الذي سيزيد بشكل كبير من مخزون الجيش المغربي من هذا السلاح الفتاك.

- أنظمة الدفاع الجوي: عزّز المغرب دفاعه الجوي باقتناء أنظمة باتريوت الأمريكية المتطورة، بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية وغيرها. ممّا يُضفي على منظومته الدفاعية قدرةً على اعتراض الصواريخ المُعادية بفعالية.

- الجزائر:

- الدبابات: تمتلك الجزائر ما يقارب من 3.000 دبابة، تشمل دبابات حديثة روسية، وأخرى مصنّعة محليًا.

- الطائرات المقاتلة: تمتلك الجزائر أسطولًا من 300 طائرة مقاتلة، معظمها روسية متطوّرة.

- الطائرات بدون طيار: تسعى الجزائر لتعزيز قدراتها في مجال الطائرات بدون طيار من خلال شراء طائرات حديثة من الصين.

- أنظمة الدفاع الجوي: تمتلك الجزائر أنظمة دفاع جوي متطورة، صينية وروسية، بما في ذلك منظومة S-300  الاعتراضية.

ميزان القوى الحالي

- من الناحية العددية: تمتلك الجزائر تفوقًا كبيرًا على المغرب في عدد الجنود والدبابات والطائرات المقاتلة، بل والأسطول البحري من بارجات حربية وغواصات أيضا.

- من الناحية النوعية: حقق المغرب خلال السنوات الأخيرة قفزة نوعية في تحديث ترسانته العسكرية من خلال شراء أسلحة حديثة من الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا.

- من ناحية الإنفاق: تُخصص الجزائر ميزانية دفاعية أكبر بكثير من المغرب،

ممّا يُتيح لها شراء المزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية. بحيث لا تزال روسيا تزوّدها بحاجاتها من السلاح رغم تورّطها في الحرب الأوكرانية.

عوامل مؤثرة على مستقبل التوازن:


طابور الحليب في الجزائر

- الاستقرار السياسي: حيث أن الإستقرار السياسي هو نتيجة طبيعية للإيتقرار الإجتماعي الذي لا يمكن أن يتوفّر إلا إذا ضمنت الدولة لشعبها حدا معقولا من الرفاهية افقتصادية. فأيّ اضطراب سياسي في أحد البلدين قد يؤثر في قدرته على الحفاظ على إمكاناته العسكرية. وبخلاف المغرب الذي يعرف قفزة نوعية في كل مجالات التنمية، تعتبر الجزائر المرشحة الأوفر حظا للاضطرابات الداخلية، نتيجة ما يعانيه شعبها من ظلم وفقر وحرمان يظهر جليا في اهتراء البنية التحتية ونقص المواد الغذائية الأساسية بالإضافة إلى غلاء المعيشة، ومشاكل البيئة وتفشي مظاهر الفساد وانعدام الحرية. ناهيك عن الخلافات السياسية العميقة القائمة بينها وبين دول الجوار في الشرق والجنوب.

- التطورات التكنولوجية: قد تُؤدّي التطورات التكنولوجية في مجال الأسلحة إلى تغيير ميزان القوى بشكلٍ كبير. الأمر الذي سيكون في صالح المغرب الذي يعرف تطورات ملحوظة في هذا المجال وفق مؤشرات التطور التكنولوجي الدولية.

التحديات والمخاوف

يؤدي سباق التسلح بين المغرب والجزائر إلى استنزاف الموارد المالية وإبعادها عن مجالات أخرى مثل التعليم والرعاية الصحية، والقضاء على الفقر والبطالة. كما أنه يُشكل تهديدًا للاستقرار الإقليمي في شمال إفريقيا. خاصة في ظل وجود نزاع طويل الأمد حول منطقة الصحراء. ذلك أنه وبالرغم من عدم وجود مؤشرات حرب وشيكة ظاهرة، إلا أن استمرار التوتر وسباق التسلح قد يزيد من خطر اندلاع حرب بين البلدين اللذان يقفان على حافة الصدام.

دوافع سباق التسلح

خريطة المغرب بصحرائه الغربية

الصحراء الغربية: يعتبر النزاع حول الصحراء الغربية السبب الرئيسي للتوتر بين البلدين من حيث الظاهر. تدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، بينما يعتبرها المغرب جزءًا لا يتجزأ من أراضيه بحكم التاريخ والجغرافية والانتماء. فالمغرب دولة وتاريخ وحضارة عمرها أزيد من 12 قرنا، فيما الجزائر لم تكن يوما دولة، بل أصبحت كذلك حين حوّلتها فرنسا إلى مقاطعة تابعة لها سنة 1962، وأقامت على رأس شعبها نظاما عسكريا ديكتاتوريا فاسدا ليحرص مصالحها، ويشكل في نفس الوقت شوكة في خاصرة المغرب تعيق تقدّمه.

التنافس الإقليمي: تسعى كل من المغرب والجزائر إلى لعب دور قيادي في منطقة شمال إفريقيا، وهذا يتجلى في التنافس على النفوذ الاقتصادي والسياسي.

التهديدات الأمنية: تواجه المنطقة بأكملها تهديدات أمنية متزايدة، بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة، مما يدفع البلدين إلى تعزيز قدراتهما العسكرية وفق الخطاب الرسمي. لكن الأهداف تختلف من حيث الباطن.

  • احتمالات الحرب

بالرغم من سباق التسلح والتوترات المتصاعدة، إلا أن احتمالات اندلاع حرب شاملة بين المغرب والجزائر لا تزال ضئيلة. وذلك للأسباب التالية:

- التكلفة الباهظة: تدرك كل من المغرب والجزائر التكلفة الباهظة للحرب على الصعيدين البشري والاقتصادي.

- الضغوط الدولية: يمارس المجتمع الدولي ضغوطاً على البلدين لتجنب التصعيد العسكري والبحث عن حلول سلمية للنزاعات القائمة. وهو ما يرفضه نظام العسكر في الجزائر بضغط من أسياده وأولياء نعمته في فرنسا.

- قنوات الحوار: على الرغم من التوترات، لا تزال هناك قنوات حوار غير مباشرة بين البلدين، مما يوفر فرصة لتخفيف التوترات ومنع اندلاع الصراع بضغوط دولية.

الخلاصة:

يمثل سباق التسلح بين المغرب والجزائر مصدر قلق كبير، ولكنه لا يعني بالضرورة أن الحرب قادمة. 

توجد عوامل عديدة تدفع باتجاه تجنب الصراع المسلح، بما في ذلك التكلفة الباهظة للحرب والضغوط الدولية وقنوات الحوار القائمة. ومع ذلك، يبقى الوضع هشاً ويتطلب جهوداً حثيثة من كلا البلدين والمجتمع الدولي لتخفيف التوترات وإيجاد حلول سلمية للنزاعات القائمة.

لعبة جيوسياسية إقليمية ودولية

يتجاوز سباق التسلح بين المغرب والجزائر مجرد صراع ثنائي، بل يتشابك مع تعقيدات جيوسياسية إقليمية ودولية، ويُشكّل مسرحًا لمصالح القوى العظمى.

العوامل الإقليمية

- الصحراء الغربية: تبقى قضية الصحراء الغربية (وفق التسمية الأمميّة) جوهر التوتر، حيث تدعم الجزائر صنيعتها الوهمية جبهة البوليساريو المطالبة بالاستقلال، بينما يتمسك المغرب بمغربية الصحراء. هذا النزاع يصب الزيت على نار التنافس الإقليمي، ويجعل من سباق التسلح وسيلة لإثبات القوة وتأكيد المواقف.

- ليبيا: عدم الاستقرار في ليبيا يمثل تهديدًا أمنيًا للمنطقة بأكملها، بما في ذلك الجزائر على وجه الخصوص، والمغرب بشكل أقل بسبب المسافة التي تبعدها عن بؤر الإرهاب في ليبيا. ذلك أن كلا البلدين قلق من انتشار الأسلحة والجماعات المسلحة عبر الحدود، مما يدفعهما لتعزيز قدراتهما العسكرية.

- منطقة الساحل والصحراء: تعاني منطقة الساحل والصحراء من تنامي نشاط الجماعات الإرهابية، مما يمثل تحديًا أمنيًا للمغرب والجزائر. فالمغرب يسعى لمحاربة الإرهاب حفاظا على أمن شعبه وشعوب المنطقة، فيما الجزائر تدعم الإرهاب وتستعمله كورقة للضغط السياسي، ليس على المغرب فحسب، بل وعلى القوى الدولية التي ترى مصالحها في استقرار المنطقة. ولا زلنا نذكر ما حدث في العشرية السوداء في تسعينيات القرن الماضي، حين انتفض الشعب الجزائري المجاهد مطالبا بالحرية والديموقراطية والعيش الكريم، فحرّك النظام العسكري خلاياه الإرهابية، وأغرق البلاد والعباد في بحر من الدماء، وهو الصراع الذي  راح ضحيته أزيد من 250 ألف مواطن جزائري. 

- وبسبب قطع العلاقات بين المغرب والجزائر، فإن التنافس الإقليمي بين الجارين العدوّين يعيق التنسيق الفعال في مجال مكافحة الإرهاب. وقد تبث أن الجزائر تستند إلى دعم البوليساريو والجماعات الإرهابية المتحالفة معها لزعزعة استقرار المغرب، وهي الطريقة الخبيثة التي تجنب الجزائر المواجهة العسكرية المباشر مع المغرب، خوفا من تدخل أمريكا وحلفاء المغرب الأقوياء في الحرب. لأنها الحرب في حال نشبت، فستستغلها القوى الغربية لاجتثاث روسيا وإيران من المنطقة، باعتبار أن الجزائر تمثل موطئ قدم لهما.

  • البعد الدولي

- الولايات المتحدة الأمريكية: تعتبر الولايات المتحدة شريكًا استراتيجيًا للمغرب، وتزوده بمعدات عسكرية متطورة. كما اعترفت إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مما عزز موقف المغرب وأثار حفيظة الجزائر.


العلاقات الأمريكية المغربية

- روسيا: تعد روسيا المورد الرئيسي للأسلحة للجزائر، حيث تزودها بطائرات مقاتلة ودبابات وأنظمة دفاع جوي متطورة. وتسعى روسيا لتعزيز نفوذها في شمال إفريقيا من خلال تعاونها العسكري مع الجزائر. هذا التعاون الذي لم يتوقف أو ينقص بالرغم من حربها على أوكرانا.


العلاقات الروسية الجزائرية

- فرنسا: تربط فرنسا علاقات تاريخية وثيقة مع كل من المغرب والجزائر. وتحاول فرنسا إيهام المغرب بأنها تحافظ على توازن دقيق في علاقاتها مع البلدين، وتدعوهما ف خطابها الرسمي إلى الحوار وتجنب التصعيد العسكري. لكنها ف العمق، تعمل على عدم الاتفاق بين البلدين، لأنها تتغذى على هذا التوتر القائم منذ سنوات لتزيد من مبيعات أسلحتها للبلدين معا من جهة، وللاستغلال شركاتها لخيراتهما من جهة ثانية.

- الصين: تتزايد العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين الصين والجزائر. فالصين تعتبر الجزائر شريكًا هامًا في مبادرة الحزام والطريق، وتزودها بمعدات عسكرية متنوعة. وذلك بسبب أن الصين تقيم تحالفا عسكريا قويا مع روسا وتربطهما رؤى جيواستراتيجية مشتركة. أما مع المغرب، فتلعب دور القوة الاقتصادية العظمى غير المنحازة، التي تهتم بمصالحها الاقتصادية أكثر من مصالحها التوسعّة أو مصالح حلفائها السياسية.


العلاقات الصينية الجزائرية

التعاون العسكري

- المغرب: بعتبر المغرب عضوا شريكا لحلف الناتو. وبهذه الصفة يعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة وخلاءها في مجال التعاون العسكري. فالمغرب يشارك في مناورات عسكرية مشتركة مع الحلف، خصوصا مناورات الأسد الإفريقي. ويستفيد من برامج التدريب والتأهيل. لكنه مؤخرا بدأ يهتم بالتعاون العسكري مع إسرائيل أيضا، لما توّره له من دعم عسكري، بالإضافة إلى المخاوف المشتركة التي لديهما من توغّل إيران في مطقة شمال إفريقيا من خلال الجزائر.

- الجزائر: تعتمد الجزائر بشكل أساسي على روسيا في مجال التعاون العسكري. وتجري مناورات عسكرية مشتركة معها، وتستفيد من خبراتها في مجال التدريب والتأهيل.

مصالح القوى العظمى

- الولايات المتحدة: تسعى الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في شمال إفريقيا ومكافحة الإرهاب، وترى في المغرب شريكًا موثوقًا في تحقيق هذه الأهداف. لذلك لا ترى في نشوب حرب بين البلدين مصلحة جيوسياسية لها، لكن تنامي نفوذ روسيا وإيران في المنطقة عبر الجزائر قد يؤدي إلى تغيّر هذا الموقف.

- روسيا: تهدف روسيا إلى توسيع نفوذها في المنطقة ومنافسة الولايات المتحدة، وتعتبر الجزائر حليفًا استراتيجيًا في هذا السياق. وفي حال استمر الضغط عليها لاستنزافها في أوكرانيان قد تعمل على تفجير الصراع في شمال إفريقيا، الأمر الذي سيشعل المنطقة برمتها. 

- فرنسا: تحاول فرنسا الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة، وتسعى لتجنب اندلاع صراع مسلح بين المغرب والجزائر، مفضلة استمرار حالة التوتر بلا سلم ولا حرب التي تخدم مصالحها. خصوصا بعد أن فقدت موطئ قدمها في دول الساحل الإفريقي نتيجة الانقلابات العسكرية التي غدّتها منظمة فاغنير الروسية. وقد بدأت فرنسا مؤخرا الرهان على المغرب للعودة من بوابته إلى إفريقيا، بعد أن فقدت الجزائر نفوذها السياسي في المنطقة. وتبيّن أن فرنسا انتهزت سياسة فاشلة تجاه المغرب، حيث استيقظت على صدمة المشروع الأطلسي الذي يقوده المغرب غرب إفريقيا، ومشروع إيصال دول الساحل إلى المحيط الأطلسي عبر موريتانيا. ليصبح بذلك القوة الإقليمية السياسة والاقتصادية الوازنة في المنطقة، الأمر الذي أزعج فرنسا وصنيعتها الجزائر.


فرنسا: اللعب على الحبلين

- الصين: تسعى الصين لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع دول شمال إفريقيا، وكانت تعتبر الجزائر بوابة هامة لتحقيق هذا الهدف. لكن بفقدانها لنفوذه السياسي والاقتصادي في المنطقة، بدأت الصين تراهن على المغرب من خلال ورقة الاستثمار والتسليح ايضا.

دعم دول الخليج وإسرائيل للمغرب


الدعم الخليجي للمغرب

تلعب دول الخليج وإسرائيل دورًا هامًا في دعم المغرب في صراعه مع الجزائر، وذلك من خلال:

دول الخليج:

- العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية: يحظى المغرب بعلاقات دبلوماسية واقتصادية قوية مع دول الخليج، خاصةً السعودية والإمارات. وتعتبر هذه الدول المغرب شريكًا استراتيجيًا في المنطقة، وتدعم مواقفه في قضية الصحراء المغربية.

- الاستثمارات: تستثمر دول الخليج بكثافة في المغرب في قطاعات مختلفة، مثل السياحة والعقارات والطاقة المتجددة. وتساهم هذه الاستثمارات في تعزيز الاقتصاد المغربي وتقوية موقفه الإقليمي، الأمر الذي يشكل ورقة قويّة لاستقطاب دول الساحل والغرب الإفريقي للتحالف مع المغرب.

- التعاون العسكري: تتعاون دول الخليج مع المغرب في مجال التدريب العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية. كما شاركت بعض دول الخليج في مناورات عسكرية مشتركة مع المغرب. وقد قبلت الإمارات مؤخرا نقل 30 طائرة حربية من نوع ميراج المتطوّرة إلى المغرب، و39 لمصر، حيث وافقت فرنسا على ذلك بعد أن حصلت على طلبية لاستبدالها بصناعة 79 طائرة من نوع "رفال" المتطوّرة.

إسرائيل:

التحالف المغربي الإسرائيلي فيإفريقيا

- العلاقات: شهدت العلاقات المغربية الإسرائيلية تطورًا كبيرًا بعد توقيع اتفاق أبراهام في عام 2020. ويشمل التعاون في مجالات مختلفة، بما في ذلك الأمن والدفاع والتجارة والسياحة. غير أن هذا التعاون لم غير من موقف المغرب المبدئي من قضة فلسطين، بدليل استمرار دعم الشعب الفلسطيني سواء في الضفة عبر بيت مال القدس أو غزة أثناء المواجهات العسكرية الأخيرة، لما لعاهل المغرب من تأثير على الجالية الإسرائيلية اليهودية - المغربية والحكومة الإسرائيلية، وذلك من خلال المساعدات المباشرة، الأمر الذي لم تنجح في تحقيقه أية دولة عربية وإسلامية.

- الدعم في قضية الصحراء: على غرار أمريكا، اعترفت إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مما عزز موقف المغرب في هذا النزاع.، نظرا لما لإسرائيل من تأثير على الدول الغربية خاصة. وقد رأينا كيف أن عديد الدول الأوروبية سارعت إلى الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه مقابل استفادتها من فرص الاستثمار الضخمة والمربحة في المغرب والمنطقة.

- التعاون العسكري والاستخباراتي: تتعاون إسرائيل مع المغرب في مجال التدريب العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية. كما زودت إسرائيل المغرب بطائرات بدون طيار وأنظمة دفاع جوي متطورة. بل واقامت مصنع افي المغرب لإنتاج الطائرات بدون طيّار الانتحارية. وقد وقع المغرب معها اتفاقا يقضي بصناعة قمرين عسكريين متطورين لمراقبة الحدود وتحركات الجيش الجزائري والجماعات الإرهابية في المنطقة، بعد أن حامت شكوك حول جدوى اقتناء أقمار صناعة من فرنسا، نزرا لعلاقاتها المشبوهة مع نظام العسكر في الجزائر. 

•       أسباب دعم الحلفاء للمغرب

- التقارب الإيديولوجي: تتقارب أمريكا ودول الخليج وإسرائيل مع المغرب في مواقفها تجاه قضايا إقليمية، مثل التهديد الإيراني، ومكافحة الإرهاب، ومواجهة النفوذ الروسي والصيني، وخاصة الإيراني من خلال إضعاف نفوذ الجزائر في المنطقة.

- مواجهة النفوذ الجزائري: ترى دول الخليج وإسرائيل في دعم المغرب وسيلة لمواجهة النفوذ الجزائري في المنطقة، خاصةً دعمها لجبهة البوليساريو. التي تعتبر منظمة إرهابية هدفها زعزعة استقرار المنطقة.

- المصالح الاقتصادية: تستفيد دول الخليج وإسرائيل من التعاون الاقتصادي مع المغرب، خاصةً في مجالات السياحة والتجارة والاستثمار. وبالخصوص في إفريقيا التي تعتبر مسرح الرهان الدولي على الموارد.

تأثير الدعم 

- تعزيز موقف المغرب: يساهم دعم أمريكا ودول الخليج وإسرائيل في تعزيز موقف المغرب في صراعه مع الجزائر، ويزيد من ثقته في مواجهة الضغوط الجزائرية.

- تغيير موازين القوى: يؤدي الدعم الأمريكي والخليجي والإسرائيلي إلى تغيير موازين القوى في المنطقة، ويجعل من المغرب قوة إقليمية صاعدة.

- تصعيد التوترات: قد يؤدي الدعم الخليجي والإسرائيلي للمغرب إلى تصعيد التوترات مع الجزائر، ويزيد من احتمالات المواجهة العسكرية.

- ورقة رابحة: بسبب انفتاح المغرب على الاستثمارات العالمية في مجال الصناعة والتكنولوجيا والتعدين، بل والطاقة النظيفة والغاز المكتشف أخيرا، بالإضافة إلى أنبوب غاز نيجيريا. تحوّل المغرب إلى نقطة استقطاب دولي كبير للاستثمارات العابرة للقارات، بحيث أصبحت هذه الاستثمارات الضخمة بمثابة ورقة أمان تمنع الجزائر من القيام بأية مغامرة عسكرية قد تؤدي إلى تضرر المصالح الدولية في المغرب والمنطقة. الأمر الذي يعتبر صمام أمان من جهة، ويعطي المغرب مزيدا من الوقت لتطوير قدراته العسكرية، ليتحوّل إلى قوة إقليمية عظمى قادرة على حماية مصالحها ومصالح شركائها في المنطقة. 

دعم الجزائر

تتلقى الجزائر دعمًا من عدة جهات، خاصة في مجال التسلح والتدريب:

أولا: روسيا

- الدعم العسكري: تعتبر روسيا المورد الرئيسي للأسلحة للجزائر، حيث تزودها بطائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوي متطورة، وغيرها من المعدات العسكرية الحديثة. كما ويجري البلدان مناورات عسكرية مشتركة بشكل منتظم، وتستفيد الجزائر من الخبرة الروسية في مجال التدريب والتأهيل العسكري.

- الدعم السياسي: تدعم روسيا الجزائر في المحافل الدولية، وتعارض أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية.

ثانيا: الصين

- شريك اقتصادي وعسكري: تشهد العلاقات الصينية الجزائرية تطورًا ملحوظًا، حيث أصبحت الصين شريكًا اقتصاديًا هامًا للجزائر، وتزودها بمعدات عسكرية متنوعة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والسفن الحربية.

- مبادرة الحزام والطريق: تعتبر الجزائر شريكًا هامًا للصين في مبادرة الحزام والطريق، مما يعزز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين.

ثالثا: دول أخرى:

- جنوب إفريقيا: تتعاون الجزائر مع جنوب إفريقيا في مجال الصناعات العسكرية، وتستفيد من خبراتها في تطوير الصواريخ والمركبات المدرعة.

- إيطاليا: تعتبر إيطاليا موردًا هامًا للأسلحة للجزائر، حيث تزودها بالسفن الحربية والمروحيات.

رابعا: إيران:

- الدعم السياسي: تدعم إيران الجزائر في قضية الصحراء الغربية، وتعارض سيادة المغرب عليها. بسبب معارضة المغرب لاحتلالها للجزر الإماراتية الثلاثة واصطفافه استراتيجيا مع دول الخليج ضد المد الشيعي في المنطقة.

- التعاون الاقتصادي: تسعى إيران لتعزيز التعاون الاقتصادي مع الجزائر، خاصة في مجالات الطاقة والتجارة.

- التعاون العسكري: توجد تقارير عن تعاون عسكري محدود بين إيران والجزائر، يشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية وتدريب بعض الكوادر العسكرية. لكن تبيّن مؤخرا أن إيران زوّدت الجزائر بعدد كبير من الطائرات بدون طيّار لسد النقص لديها في هذا النوع من الأسلحة مقارنة مع المغرب.

- حرب العصابات: هناك تقارير استخباراتية تتحدث عن قيام حزب الله بتدريب مرتزقة البوليساريو على حرب العصابات بهدف استعمالها في حالة الحرب لزعزعة استقرار المغرب والمنطقة.

أسباب الدعم:

- التقارب الإيديولوجي: تتقارب بعض الدول، مثل روسيا والصين وإيران، مع الجزائر في مواقفها المعارضة للهيمنة الغربية.، وتعتبر المغرب ورقة الغرب القويّة لتحقيق ذلك بالوكالة.

- المصالح الاقتصادية: تستفيد الدول الداعمة للجزائر من التعاون الاقتصادي معها، خاصة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار.

- مواجهة النفوذ المغربي: ترى بعض الدول في دعم الجزائر وسيلة لمواجهة النفوذ المغربي المتنامي في المنطقة، خاصة بعد تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ومنها فرنسا المعروفة بسياساتها الخبيثة، والتي أصبحت ترى في المغرب قوة منافسة لها في إفريقيا، خصوصا بعد الانقلابات الأخيرة التي عرفتها عدد من دول القارة السمراء.

تأثير الدعم:

- تعزيز القدرات العسكرية: يساهم الدعم الخارجي في تعزيز القدرات العسكرية للجزائر، بهدف جعلها قوة إقليمية مؤثرة. لكن دون ذلك عوائق.

- توازن القوى: يؤدي الدعم الخارجي للجزائر إلى تحقيق توازن نسبي في القوى مع المغرب، ويصعب من حسم الصراع لصالح طرف دون الآخر. وهذه هي لعبة التوازنات الدولية.

- استمرار التوترات: قد يساهم الدعم الخارجي في استمرار التوترات بين المغرب والجزائر، ويجعل من الصعب التوصل إلى حلول سلمية للنزاعات القائمة. ما دامت المصالح متضاربة، ويستحيل أن يحسم الصراع لمصلحة قوة دولية أو إقليمية على حساب أخرى.

  • الخلاصة:



يشكل سباق التسلح المغربي الجزائري انعكاسًا للتنافس الإقليمي وتعقيدات الجغرافيا السياسية الدولية. فمصالح القوى العظمى تتقاطع في المنطقة، مما يساهم في تأجيج التوترات ويزيد من صعوبة التوصل إلى حلول سلمية للنزاعات القائمة.

لهذا السبب، اتخذ المغرب من سياسة (رابح - رابح) ورقة تؤهله لأن يلعب بشكل جيّد وشفّاف مع كافة الأطراف، مركّزا جهوده على البعد الديبلوماسي والورقة الاقتصادية خاصة، دون التموقع في المكان الخطأ من التاريخ في هذه المرحلة المبكرة التي يبني فيها قوته بصمت وهدوء إلى أن يفعل الله أمرا كان مقدورا. 

غير أنه في حال نشيت حرب بين البلدين، فما من شك أن المغرب لن يخوضها وحيدا، بل سيكون مدعوما ميدانا من قبل إسرائيل ودول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات والبحرين بالإضافة إلى الأردن. كما وأن أمريكا لن تفوت الفرصة دون إقحام حلف شمال الأطلسي لإسقاط نظام العسكر في الجزائر باسم الحرية والديموقراطية، وقطع الطريق على ايران وروسيا والصين نحو إلفريقيا من الخاصرة الرخوة لأوروبا التي هي البحر البيض المتوسط، ومن تم تقسيم البلد لإضعافه. 

وما استعداد القبائل لإعلان الإستقلال في الشمال، وكفاح الأزاود التي هي حركة مسلحة لتحرير الجنوب وإقامة دولة مستقلة لها على الحدود مع مالي، وسيطرة قوات الحليفة حفتر على منطقة في شرق الجزائر اقتطعتها فرنسا إبان الإستعمار من ليبيا وضمتها إلى مستعمرتها، بالإضافة إلى استعداد المغرب للمطالبة رسميا بإعادة صحرائه الشرقية في الأمم المتحدة، سوى مقدمات لما هو قادم لا محالة.

وبالنتيجة النهائية نقول: لقد أرادت الجزائر إضعاف المغرب بتقسيمه، فجنت على نفسها براقش.  

  • الحـــل البديـــل

 يكمن الحل في عودة الصحراء الشرقية بعد الغربية إلى المغرب

ويبقى الحل البديل الناجع والفعال لتجنب الحرب، هو أن ينفجر الوضع في الداخل الجزائري نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية المزرية التي يعيشها الشعب الجزائري منذ عقود دون أمل في الانفراج، برغم ما حباه الله من خيرات ينفقها العسكر فيما لا يخدم مصلة البلاد والعباد.

كما وأن تحوّل أوروبا نحو الطاقة النظيفة في أفق سنة 2030 ورهانها على المغرب، بالإضافة لقرب نفاذ مخزون الغاز والنفط الجزائري، من شأنه أن يغيّر من معادلة النفوذ وينهي الصراع العبثي المفتعل في المنطقة. 

حينها قد يتغيّر مجرى التاريخ، فتنقلب الأمور رأسا على عقب، فتعود الصحراء الشرقية بعد الغربية إلى موطنها الأصلي الذي هو المغرب، بحكم التاريخ والجغرافيا وشواهد الحضارة.

 ويعود لشعوب المنطقة الأمل في بناء اتحاد مغاربي حقيقي، يتّخذ من المغرب قطبا محوريا وقاطرة طلائعية في مسيرة الإقلاع الاقتصادي والتنمية المستدامة، نظرا لما حققه عاهل البلاد محمد السادس حفظه الله من معجزة اقتصادية حوّلت المغرب من دولة تنتمي إلى العالم الثالث، إلى دورة غنيّة، وقوة إقليمية صاعدة بوجه حضاري متمّز في ظرف عشرين سنة فقط. 

ليتأكد اليوم لمن أخطأوا التقدير بالأمس، أن تحوّل المغرب في سياسته الخارجية نحو إفريقيا بدل أوروبا جعل أوروبا تستجدي عطف المغرب ورضاه، وهو ما مكن الرباط من فرض ورقة الاعتراف بالصحراء المغربية كشرط لا مناص منه للتعاون في كافة المجالات.

وهذا هو الطريق القويم لتحقيق الحلم المغربي الذي هو حلف ملك وشعب.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق