مقدمــــــة
شهدت السنوات الأخيرة صعوداً ملحوظاً لأحزاب اليمين في البرلمان الأوروبي. هذا التحول السياسي يحمل تأثيرات محتملة على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، خصوصاً فيما يتعلق بالمبادلات التجارية، ومسألة الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. في هذا المقال، نستعرض تبعات هذا الصعود اليميني على العلاقات السياسية والاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، بالإضافة إلى التحولات الكبرى المرتقبة التي بدأت تشهدها أوروبا، بين معسكر الداعين لتقوية مؤسسات الاتحاد، ومعسكر اليمين المتطرف الداعي إلى تقوية السياسات الوطنية وعدم توسيع صلاحيات الاتحاد الأوروبي.../...
تشهد أوروبا تحولاً نحو اليمين في السياسة نتيجة للعديد من العوامل، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية، والمناخ، والهجرة، والحرب في أوكرانيا، وتزايد الشعور بالوطنية. فأحزاب اليمين غالباً ما تتبنى مواقف أكثر تحفظاً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وتولي اهتماماً أكبر للقضايا الوطنية والمصالح الاقتصادية المحلّية.
وبالتالي، فصعود اليمين في البرلمان الأوروبي يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي، حيث تميل هذه الأحزاب إلى اتباع نهج أكثر حذراً في العلاقات الدولية، والاهتمام بمصالح الدول الأعضاء بالدّرجة الأولى، على حساب السياسات الانفتاحية التي كانت تنتهجها الأحزاب اليسارية، التي كانت تسعى لبناء اتحاد أوروبي قوي اقتصاديا وموحد سياسيا.
تأثير الأحزاب اليمينية على موقف الاتحاد الأوروبي
بعض أحزاب اليمين في أوروبا، مثل حزب جان ماري لوبان في فرنسا والحزب القومي الألماني، قد تكون أكثر انفتاحاً على دعم موقف المغرب في قضية الصحراء مقابل الحصول على فوائد سياسية واقتصادية مهمة، بسبب موقع المغرب الجيواستارتيجي بين أوروبا وإفريقيا من جهة، ودوره كقوة إقليمية محافظة صاعدة من جهة أخرى. وهذا قد يشمل دعماً مباشراً من اليمين الفرنسي، الذي يعتبر المغرب حليفاً استراتيجياً موثوقاً به، بخلاف الجزائر التي لا وزن ولا قيمة لها في لعبة التوازنات الإقليمية والدولية الجديدة. بالإضافة إلى تحالفاتها المشبوهة من روسيا وإران، والجماعات الانفصالية التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة الأورو – إفريقية. كما قد يشمل دعماً غير مباشر من اليمين الألماني، وإلى حد ما من اليمين الإيطالي ولو بشكل تدريجي، مراعاة لهواجس إيطاليا تجاه الهجرة، ومصالح شركاتها في الجزائر. خصوصا إذا علمنا مدى مناهضة إيطاليا الشرسة للسياسات الفرنسية في المنطقة، باعتبار الأخيرة مسؤولة عن مشاكل الهجرة المتفاقمة، وسعيها لتكون الممثل البديل للاتحاد الأوروبي في إفريقيا.
التحديات والفرص
قد يؤثر صعود اليمين في البرلمان الأوروبي على الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، حيث يركز اليمين عادة على حماية الصناعات المحلية وتعزيز المصالح الاقتصادية للدول الأعضاء. وقد بدأت بعض الخطابات تتحدث عن مراجعة عدد من الاتفاقيات التجارية مع الرباط، غير أن مثل هذا الوجّه لا يقلق المغرب كما كان الأمر من قبل. ذلك أن الأخير أصبح مستعدا اليوم لمواجهة مثل هذه التحديات، خصوصا بعد أن غيّرت المملكة المغربية من سياساتها الخارجية في مجال الاقتصاد والتجارة، بفضل توسيع مروحة شركاءها الدوليين، مستعملة في ذلك ورقة الفوسفاط التي تمثل الأمن الغذائي لدول العالم، خصوصا بعد أن حرمت العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا عدد دول العالم الفلاحية من الاستفادة من الفوسفاط الروسي. وهو الأمر الذي منح المغرب مساحة واسعة من الحرية والاستقلالية للتعامل مع الضغوط الأوروبية في المجال الفلاحي.
المشاريع الاستراتيجية للمغرب
مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي، ومشروع إفريقيا الأطلسية، يمثلان ورقتين قويتين تعززان مكانة المغرب كلاعب دولي في مجال الطاقة والمبادلات التجارية. بحيث يتوقع أن تساهم هذه المشاريع الكبرى في تعزيز قدرة المغرب التفاوضية في علاقاته مع البرلمان الأوروبي والحكومات اليمينية القادمة، بسبب تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، وإلى حد ما الغاز والجزائري. الذي بدأت المؤشرات تتحدث عن قرب نفاذ مخزونه. ناهيك عن التحول المرتقب في مجال الصناعات المستقبلية بفضل الطاقة البديلة التي يعتبر المغرب دولة رائدة فيها، ولما تتطلبه السياسات البيئية الجديدة من إجراءات صارمة للمحافظة على جودة الحياة على الأرض.
والظاهر أن رهان المغرب على هذه المشاريع الإقليميّة الكبرى، سيعزّز لا محالة من مكانته كلاعب دولي في مجال الطاقة والمبادلات التجارية، وستحوّله لقاطرة للتنمية المستدامة التي ستنتشل الدول الإفريقية المنخرطة في المشروع المغربي من التبعية الاستعمارية، ومن الفقر، والاتجار بالمخدرات، والجريمة المنظمة، والحروب بالوكالة التي تستعمل فيها المنظمات الإرهابية لزرع عدم الاستقرار ونهب خيرات البلدان المستضعفة لحساب مصالح استعمارية مشبوهة. هذا هو السبيل الوحيد للحد من ظاهرة الهجرة نحو أوروبا. وهو هدف يعدّ أولويّة الأولويات في السياسة اليمينية الأوروبية.
من هنا، يستطيع المغرب لعب هذه الورقة الحاسمة التي ستفتح أمامه فرصاً اقتصادية كبيرة، وتعزز من قدرته التفاوضية في علاقاته مع البرلمان الأوروبي والحكومات اليمينية القادمة. إلى جانب ذلك، فإن هذا المشروع الطاقي الكبير، يمكن أن يقلل من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، وإلى حد ما الغاز الجزائري، ما يجعل الرؤية المغربية في هذا المجال ذات أهمية استراتيجية لكل من المغرب وأوروبا معاً.
استنتــــــاج
لا شك أن صعود اليمين في البرلمان الأوروبي يحمل تبعات متعددة على العلاقات السياسية والاقتصادية مع المغرب. وفيما يتعلق بمسألة الصحراء الغربية، قد يؤدي هذا الصعود إلى تغيير في المواقف الرسمية لبعض الدول الأعضاء، ولكن من غير المرجّح أن يحدث تحول جذري في موقف الاتحاد الأوروبي ككتلة موحدة في المدى المنظور. لكن من الناحية الاقتصادية، قد يشهد التعاون بين الاتحاد الأوروبي والمغرب تطورات إيجابية، حيث تسعى الدول الأوروبية إلى تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع المغرب في إطار استراتيجياتها الوطنية والقارية.
أما الاعتراف الصريح بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية من قبل دول الاتحاد الأوروبي، فقد يكون موضوعاً معقداً، نظراً لتباين المواقف بين الدول الأعضاء من جهة، وداخل الأحزاب اليمينية من جهة أخرى. على الرغم من أن بعض الدول قد تكون مستعدة لمراجعة موقفها بناءً على مصالحها الوطنية، إلا أن الاتحاد الأوروبي ككل قد يظل متمسكاً بموقفه التقليدي الداعي إلى حل تفاوضي للنزاع، حتى لا يظهر تفكك في الموقف السياسي. لذلك كانت فرنسا دائماً تفضل نوعاً من الاعتراف الضمني على المستوى الاقتصادي دون السياسي، باعتبارها تتطلع للعب دور زعيمة أوروبا في غياب وحدة سياسية تضمن لأوروبا استقلالية قرارها السياسي عن واشنطن، خصوصاً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد. غير أن هذا الحلم المستحيل قد أقبر مع صعود اليمين وتراجع الحزب الجمهوري في فرنسا.
ومع صعود اليمين وتطور النزعة الوطنية لدى الشعوب الأوروبية، من المرجح أن يتفكك الاتحاد الأوروبي في المستقبل لا محالة، لتصبح كل دولة تدافع عن مصالحها الضيقة.
ومهما يكن من أمر، فبالمحصّلة، ستكون ورقة الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية ورقة ضغط ومساومة مقابل ما يقدمه المغرب لأوروبا من حلول عملية ومزايا اقتصادية. لتوليه محاربة الهجرة غير الشرعية، والإرهاب، والمخدرات، والجريمة المنظمة العابرة للحدود. باعتبارها الآفات التي حملت اليمين الأوروبي لتحمل المسؤولية السياسية في القارة العجوز خلال المرحلة المقبلة، والتي قد تطول أو تقصر حسب ما سيتحقق من نتائج في هذه المجالات الحسّاسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق