(دراسة شاملة)
لا يمكن للإنسان أن يتخذ موقف الحياد أمام سياسات الموت، فالصامت شريك في الجريمة،
إذ يتحول الساكت عن الظلم إلى شيطان أخرس يُشرعن الفساد بسلبيته.
1. مدخل الدراسة
بدأت شرارة هذه الدراسة من مشهد مأساوي وقع في مستشفى الحسن الثاني بأكادير، فحوله من مستشفى الشفاء إلى "مستشفى الموت" حيث تكشّفت أمام الرأي العام الوطني والدولي صور صادمة: مرضى متكدسون في الممرات، أسر تنتظر عبثًا تدخلًا عاجلًا، وفيات مأساوية كان يمكن تفاديها لو توفرت أدنى شروط الرعاية الطبية. هذه الكارثة الصحية لم تكن مجرد حادث عرضي، بل تحولت إلى قضية رأي عام أشعلت احتجاجات في الشارع، وأثارت موجة غضب واسعة تجاه تدبير قطاع الصحة، وعموم السياسات الاجتماعية.
لقد أدرك المغاربة أن ما وقع في أكادير ليس استثناءً، بل هو انعكاس لبنية أعمق من الفشل: فشل في السياسة، فشل في التعليم، فشل في الصحة، فشل في العدالة، فشل في توفير السكن، فشل في توفير العمل لضمان العيش الكريم للواطن، وفشل في بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.
من هنا، جاءت الحاجة إلى إعداد هذه الدراسة، ليس فقط لتشخيص أزمة قطاع بعينه، وإنما لفهم الترابط البنيوي بين مختلف الأزمات الاجتماعية التي جعلت من حلم “الدولة الاجتماعية” في المغرب شعارًا فارغًا، بدل أن يكون واقعًا معاشًا.../...
2. التمهيد
منذ عقود، ظلّ المغرب يتطلّع إلى بناء ما يُسمّى بـ” الدولة الاجتماعية”، أي الدولة التي تضمن لمواطنيها حدًّا أدنى من الكرامة في العيش، عبر توفير التعليم الجيد، والصحة، والسكن، والعدل، وفرص العمل، وضمان الأمن الاجتماعي. غير أنّ المسافة بين الشعارات المرفوعة والواقع المعيش بقيت شاسعة، بل ازدادت اتساعًا مع مرور السنين. فبرغم مرور أكثر من سبعين عامًا على الاستقلال، ما تزال البلاد غارقة في أزمات اجتماعية واقتصادية متشابكة: الفقر المستمر، البطالة المتفاقمة، تدهور التعليم والصحة، أزمة السكن، انعدام العدالة القضائية، فضلًا عن موجات الهجرة غير النظامية التي حوّلت شواطئ المغرب إلى منافذ موت للشباب الباحث عن فرصة لغد أفضل.
هذا الفشل ليس مجرّد خلل عابر في السياسات العمومية، بل هو انعكاس لبنية سياسية-اقتصادية-اجتماعية عميقة، يطغى عليها شبح السلطوية المقنعة، واقتصاد الريع، وانتشار الفساد، وضعف مؤسسات الوساطة، وتفاوت طبقي صارخ بين نخب تحتكر الثروة والقرار، وأغلبية عريضة تعيش الفقر والأزمات المركبة على الهامش.
3. المقدمة
تُظهر المؤشرات الرسمية والدولية حجم الاختلالات البنيوية في التجربة المغربية:
• يعيش حوالي 4 ملايين مغربي تحت خط الفقر، وفق أرقام رسمية.
• تصل معدلات البطالة إلى 12% عمومًا، لكنها تقفز إلى 30% بين الشباب، حسب تقارير دولية.
• نسبة العنوسة في تزايد، خصوصًا في المدن الكبرى، مرتبطة بتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
• تشير الإحصائيات إلى أنّ حوالي 1.6 مليون امرأة أرملة، يمثلن فئة هشّة تعاني من الفقر والتمييز.
• أزمة السكن جعلت آلاف الأسر في مساكن غير لائقة، فيما يبتلع المضاربون العقاريون السوق ويبتزون جيوب المواطنين وخزينة الدولة من خلال التلاعب بالأسعار.
• قطاع التعليم يسجّل معدلات تسرب مدرسي تتجاوز 20% في بعض المستويات.
• حوالي 70% من الأطباء متركزون في المدن الكبرى، مما يفاقم فجوة الرعاية الصحية بين المدينة والبادية.
• أما القضاء، فيعاني من طول أمد المحاكمات، بسبب نقص في الأطر، وقصور في التشريعات، وتكدس مذكرات البحث، وتفشّي الرشوة والابتزاز، وغياب الثقة الشعبية في العدالة.
• إلى جانب ذلك، يغادر آلاف الشباب نحو المجهول عبر الهجرة غير النظامية؛ ففي كل سنة يُسجَّل مئات الغرقى في عرض البحار، ما يؤشر إلى أن قيمة الإنسان في المغرب لا تساوي النفس الذي يتنفسه المخلوق حتى لا نقول شيئا آخر.
تلك الأرقام لا تُقرأ كلٌّ على حدة، بل تُفهم في ترابطها: فالفقر يغذي البطالة، وهذه بدورها تضعف فرص الزواج وتزيد العنوسة، فيما يؤدي ضعف التعليم والصحة إلى توارث الأزمات، وتغذّي أزمة السكن الهشاشة الاجتماعية، بينما يعمّق غياب الإرادة السياسية، وتردي قطاعات التعليم والصحة والعدل، وتغول الإدارة وتفشي مظاهر الفساد، إلى انسداد الأفق وفقدان الأمل في الإصلاح، الأمر الذي يترتب عنه حكما عزوف المواطنين عن التصويت في الانتخابات، لفقدان الثقة في الأحزاب ولعبة الديموقراطية برمتها، واندفاع الشباب نحو قوارب الموت أو السقوط في براثن الجريمة.
4. ملامح عامة عن فشل الدولة الاجتماعية
منذ بداية الألفية الثالثة، أطلقت الدولة المغربية مبادرات عديدة تحمل أسماء براقّة، مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبرامج السكن الاجتماعي، والمغرب الأزرق، والمغرب الأخضر، ومخطط الإقلاع الاقتصادي، ومخطط التسريع الصناعي، وإصلاح العدالة، وإصلاح التعليم ورد الاعتبار للمدرسة العمومية، وتعميم التغطية الصحية، وتنزيل الجهوية المتقدمة.. غير أنّ تقييم هذه المبادرات يكشف عن الفشل، وضعف في الأثر، وغياب الاستدامة، وهيمنة منطق “المشاريع القطاعية المعزولة” بدل الرؤية الاستراتيجية المندمجة للتنمية الشاملة والمستدامة.
على سبيل المثال:
• برامج محاربة الفقر خفّضت نسب الفقر المدقع قليلًا، لكنها لم تعالج أسبابه البنيوية.
• برامج السكن الاجتماعي وفّرت وحدات سكنية محدودة، لكنها غذّت المضاربات العقارية وأنتجت أحياء معزولة.
• إصلاح العدالة ظلّ شعارًا يتكرر، بينما بقيت دار لقمام على حالها.
• في مجال الصحة، توسّعت التغطية، لكن دون موارد بشرية وبنية تحتية موازية.
بذلك، يظهر أن فشل تنزيل الدولة الاجتماعية لا يرجع إلى نقص في البرامج أو القوانين، بل إلى غياب الإرادة السياسية الجذرية، واستمرار هيمنة المصالح الضيقة على حساب العدالة الاجتماعية في دولة لم يعد المواطن يعرف من يقودها: حكومات الواجهة أم حكومة الظل.
5. الفقر: المعضلة البنيوية الأولى
يُعتبر الفقر في المغرب حجر الزاوية في فهم بقية الأزمات الاجتماعية. فبحسب إحصائيات رسمية، يعيش ما يقارب 4 ملايين مغربي تحت خط الفقر، أي في ظروف لا تتيح لهم الحصول على الحاجات الأساسية من غذاء، سكن، وتعليم. وإذا أُضيف إلى ذلك الفقر النسبي، فإن نسبة المتأثرين ترتفع إلى ما يتجاوز 15% من السكان.
5.1. أبعاد الفقر
الفقر ليس مجرد نقص في الدخل، بل هو حرمان متعدد الأبعاد:
• في البادية، يترجم الفقر إلى غياب البنى التحتية، مدارس نائية ومتدهورة، ومستوصفات على قلتها شبه فارغة.
• في المدن، يأخذ شكل أحياء صفيحية مكتظة، وتهميش اجتماعي يزرع الإحباط في صفوف الشباب المتطلع لغد أفضل.
• بين الأطفال، يتحول إلى حرمان من التعليم والتغذية السليمة، ما يكرّس الحلقة المفرغة لتوارث الفقر والمرض عبر الأجيال.
5.2. أسباب الفقر
يمكن حصر الأسباب في ثلاثة مستويات:
1. اقتصادية: اقتصاد ريعي يتركّز في يد قلة، وبطالة متفشية تعيق الاندماج في سوق الشغل.
2. اجتماعية: ضعف تكافؤ الفرص بين الذكور والإناث، وبين الحضر والريف.
3. جبائية: غياب سياسات جبائية عادلة، تَهرُّب الكبار من أداء الضريبة، قلة المحاسبة، استمرار الفساد، وسوء توزيع الموارد.
5.3. آثار الفقر
• الأمراض المزمنة مثل السكري وضغط الدم بسبب سوء التغذية ناهيك عن انتشار الأمراض بين الأطفال، خصوصا في المجال القروي الذي يفتقر للبنية والخدمات الصحية الضرورية.
• تزايد معدلات التسرب المدرسي، إذ تتجاوز 20% في بعض المناطق القروية.
• انتشار أنماط الهشاشة: الأرامل، الأطفال في وضعية الشارع، والعازبات دون سند اقتصادي.
بذلك، يتضح أن الفقر ليس عرضًا، بل ظاهرة بنيوية تعيق أي تقدم نحو “الدولة الاجتماعية”.
6. البطالة: الوجه الآخر للعملة
إذا كان الفقر نتيجة مباشرة، فإن البطالة هي أحد أهم أسبابه.
تشير التقارير إلى أن معدل البطالة العام في المغرب يبلغ حوالي 12%، لكن هذه النسبة تقفز بشكل صادم إلى 30% في صفوف الشباب (15-24 سنة)، وهو ما يكشف عن أزمة أجيال كاملة.
6.1. أنماط البطالة
• بطالة هيكلية: ناجمة عن عدم توافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق الشغل. فمثلا: على المستوى الحكومي أدى التحايل على قانون الوظيفة العمومية الى حرمان من هم فوق الثلاثين سنة من ولوج سوق العمل الرسمي. بل حتى مباريات ولوج المحاماة التي هي مهنة حرة، خضعت مؤخرا للرشوة والمحسوبية والزبونية (تقارير وطنية ودولية).
• بطالة مقنّعة: مئات الآلاف يعملون في القطاع غير المهيكل بأجور هزيلة ودون حماية اجتماعية.
• بطالة نسائية: النساء في المغرب يعانين ضعفًا مضاعفًا في الولوج إلى سوق الشغل، خاصة في المناطق القروية.
6.2. انعكاسات البطالة
• اقتصاديًا: ضياع طاقات إنتاجية كبيرة، وتراجع القدرة الشرائية.
• اجتماعيًا: عزوف الشباب عن الزواج وتنامي ظاهرة العنوسة.
• نفسيًا: ارتفاع نسب الاكتئاب والانتحار في صفوف الشباب العاطلين.
6.3. أرقام ودلالات
• حسب البنك الدولي، تتجاوز نسبة البطالة بين خريجي الجامعات 20%، وهو ما يعكس فشل النظام التعليمي في ربط برامج التعليم بسوق العمل.
• النساء العاملات لا تتجاوز نسبتهن 22% من مجموع النساء في سن العمل، أي أن الأغلبية خارج دورة الإنتاج.
• في بعض المناطق الصناعية الجديدة، يتم تشغيل الشباب بعقود مؤقتة، مما يرسّخ الهشاشة بدل التشغيل المستدام.
7. التعليم: رافعة معطّلة
يُفترض أن يشكل التعليم القاطرة الأساسية لأي مشروع دولة اجتماعية، غير أن الواقع المغربي يعكس صورة مقلقة.
تشير التقارير إلى أن نسب التمدرس تحسّنت نسبيًا، لكن معدلات الهدر المدرسي ما تزال مرتفعة، إذ يتجاوز التسرب في المراحل الابتدائية والإعدادية 20% في بعض المناطق القروية.
7.1. ملامح الأزمة التعليمية
• فجوة حضر/ريف: أطفال المدن الكبرى يصلون إلى التعليم العالي بنسبة أكبر بكثير من أطفال القرى.
• ضعف الجودة: تقارير دولية تضع المغرب في مراتب متأخرة في اختبارات القراءة والرياضيات.
• تعدد لغات التدريس (العربية، الأمازيغية، الفرنسية، الإنجليزية) دون رؤية واضحة، ما يربك المتعلمين.
• اكتظاظ الأقسام ونقص الموارد، حيث يتجاوز عدد التلاميذ في القسم الواحد أحيانًا 45 تلميذًا.
• ضعف رواتب وحوافز رجال التعليم الأمر الذي يصيبهم بالإحباط والشعور بالظلم.
7.2. النتائج
• بطالة الخريجين: أكثر من 20% من الجامعيين عاطلون عن العمل.
• ضعف الكفاءات التقنية، وهو ما يعيق جاذبية سوق الشغل.
• توارث الفقر: التعليم المتدني يحرم الأسر الفقيرة من الارتقاء الاجتماعي.
هكذا يتحول التعليم من أداة للتحرر الاجتماعي إلى آلية لإعادة إنتاج الفوارق الطبقية.
8. الصحة: هشاشة البنية وغياب العدالة الصحية
النظام الصحي المغربي يعاني اختلالات هيكلية صارخة، رغم الإصلاحات الأخيرة المتعلقة بتعميم التغطية الصحية.
8.1. أرقام أساسية
• حوالي 70% من الأطباء متركزون في المدن الكبرى، بينما تبقى القرى شبه محرومة.
• معدل الأطباء لا يتجاوز 7 لكل 10 آلاف نسمة، وهو أقل بكثير من المعدل العالمي الموصى به (15 لكل 10 آلاف).
• الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع الضغط تصيب نسبًا متزايدة، فيما تظل الرعاية الوقائية ضعيفة.
8.2. مظاهر الأزمة
• ضعف البنية التحتية: مستشفيات عمومية مكتظة ومتسخة، ومراكز صحية مهملة بلا تجهيزات أساسية.
• غياب الموارد البشرية: هجرة الأطباء نحو القطاع الخاص أو الخارج ما يشكل خسارة للشعب المغربي الذي استثمر كثيرا في تكوينهم.
• فجوة جغرافية: خدمات متطورة في الدار البيضاء والرباط، يقابلها نقص حاد في الأطلس والريف والصحراء.
8.3. النتائج
• وفيات الأطفال في القرى لا تزال مرتفعة.
• الأسر الفقيرة تنفق ما يفوق 40% من دخلها على الصحة، ما يفاقم فقرها.
• انعدام الثقة في المستشفى العمومي، وتوجه المواطنين نحو القطاع الخاص المكلّف.
الصحة في المغرب اليوم ليست حقًا عامًا، بل امتيازًا طبقيًا: من يملك المال يشفى، ومن لا يملكه يواجه الموت المحتوم قبل الأجل المكتوب.
9. العدل: المعضلة المسكوت عنها
إذا كان التعليم والصحة والسكن هي أركان الدولة الاجتماعية، فإن العدل هو عمودها الفقري. من دون عدالة مستقلة وفعّالة، تصبح كل الإصلاحات الأخرى بلا جدوى.
9.1. مظاهر أزمة العدل
• بطء المساطر القضائية: قضايا تستمر سنوات طويلة، ما يرهق المتقاضين ويضعف الثقة في المؤسسات.
• الرشوة والمحسوبية: تقارير جمعيات حقوقية تكشف أن القضاء من أكثر القطاعات المعرضة للفساد.
• غياب استقلالية حقيقية: النيابة العامة ما تزال مرتبطة بالسلطة التنفيذية، ما يضعف مبدأ الفصل بين السلط.
• غياب تكافؤ أمام القانون: المواطن البسيط يحاسب بقسوة، بينما يفلت المتنفذون من العقاب.
9.2. انعكاسات أزمة العدالة
• فقدان الثقة الشعبية: المواطن العادي لم يعد يرى في القضاء ملاذًا، بل عبئًا إضافيًا.
• تكريس الفوارق الاجتماعية: العدالة غير المتكافئة تعمّق الإحباط والفقر.
• تشجيع الهجرة غير النظامية: كثير من الشباب يعتبر أن “لا عدل في البلد”، فيرى في الرحيل خلاصًا.
9.3. دلالات إحصائية
• المغرب يحتل مراتب متأخرة في مؤشرات استقلال القضاء، وفق تقارير دولية.
• شكاوى المواطنين المتعلقة بالرشوة القضائية تشكل نسبة عالية من مجموع الشكاوى ضد الإدارة.
العدل في المغرب ليس فقط قطاعًا متعثرًا، بل هو محدد جوهري لفشل تنزيل الدولة الاجتماعية. فمن دون قضاء عادل، تفقد الدولة شرعيتها، وتنهار ثقة المواطن في كل السياسات.
10. أزمة السكن: الحق المؤجل
يُعدّ السكن من الحقوق الأساسية التي تكفل الكرامة الإنسانية، غير أن المغرب يعيش منذ عقود أزمة سكن خانقة، رغم تعدد البرامج الحكومية.
10.1. أبعاد الأزمة
• غلاء العقار: أسعار الشقق في المدن الكبرى تفوق بكثير قدرة الطبقات الوسطى والدنيا.
• المضاربات العقارية: شركات ومنعشون عقاريون يحتكرون السوق، مما يرفع الأسعار بشكل مصطنع.
• ضعف العرض الاجتماعي: رغم الحديث عن برامج “السكن الاجتماعي”، إلا أن المعروض لا يلبي إلا جزءًا محدودًا من الطلب.
• العشوائيات: ما تزال آلاف الأسر تعيش في دور صفيح أو مساكن غير لائقة، خصوصًا في ضواحي الدار البيضاء والرباط وطنجة.
10.2. أرقام دالة
• ملايين المغاربة يقطنون في مساكن غير مكتملة أو تفتقر للماء والكهرباء.
• نسبة الطلب على السكن الاجتماعي تتجاوز 50% من مجموع الطلب الحضري.
• حوالي 40% من دخل الأسر الفقيرة والمتوسطة يُصرف على الإيجار أو أقساط السكن.
10.3. انعكاسات الأزمة
• على الشباب: ارتفاع أسعار السكن أحد أبرز أسباب تأخر سن الزواج والعزوف عنه.
• على الفقراء: ظروف عيش غير إنسانية، تفتقد للنظافة والصرف الصحي، وتزيد من معدلات الأمراض.
• على الاستقرار الاجتماعي: العشوائيات بؤر للفقر والجريمة، تعكس فشل التخطيط الحضري.
إذن، أزمة السكن ليست مجرد عجز تقني، بل معضلة بنيوية مرتبطة بالفساد، وضعف الرقابة، وغياب رؤية عادلة لتوزيع الموارد.
11. الهجرة غير النظامية: قوارب الموت
تُعتبر الهجرة غير النظامية أحد أبرز المظاهر الصارخة لفشل الدولة الاجتماعية، إذ تحوّل البحر الأبيض المتوسط والأطلسي إلى مقبرة مفتوحة للشباب المغاربة.
11.1. دوافع الهجرة
• الفقر والبطالة: آلاف الشباب لا يرون أفقًا في الداخل، فيغامرون بأرواحهم نحو الضفة الأخرى.
• غياب العدالة: الإحساس بانعدام المساواة يدفع كثيرين إلى الاعتقاد أن الخلاص في الهجرة.
• السكن والتعليم: ظروف العيش القاسية، وضعف التعليم، تدفع الأسر إلى البحث عن “حياة أفضل” في أوروبا.
11.2. أرقام صادمة
• المغرب من بين أعلى البلدان المصدّرة للهجرة غير النظامية في إفريقيا.
• تقارير أوروبية تشير إلى أن آلاف المغاربة يُضبطون سنويًا وهم يحاولون عبور الحدود.
• عشرات المآسي تُسجّل كل عام: قوارب تغرق، عائلات تفقد أبناءها، وجثث تُلفظها السواحل.
11.3. انعكاسات الهجرة
• نزيف بشري: خسارة طاقات شابة متعلمة وأخرى يائسة.
• مآسي اجتماعية: أسر مكلومة، وأطفال بلا معيل بعد غرق ذويهم.
• ورقة ضغط جيوسياسي: الاتحاد الأوروبي يوظف قضية الهجرة للضغط على المغرب في ملفات سياسية واقتصادية.
11.4. البعد النفسي
الهجرة هنا ليست مجرد حركة بشرية، بل صرخة يأس جماعية من جيل فقد الثقة في وعود التنمية. فحين يركب شاب عشريني قاربًا متهالكًا وهو يعلم أن احتمال موته يتجاوز 50%، فهذا يعني أن الوطن لم يعد يمنحه أي أفق للحياة الكريمة.
12. العنوسة: مرآة التحولات الاجتماعية
العنوسة في المغرب ليست مجرد ظاهرة فردية، بل مؤشر اجتماعي عميق يكشف عن تحولات اقتصادية وثقافية.
تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسب العزوف عن الزواج في ارتفاع مطرد، خصوصًا بين النساء المتعلمات وسكان المدن الكبرى.
12.2. أسباب العنوسة
• البطالة والفقر: الشبان عاجزون عن تحمل تكاليف الزواج المرتفعة (مهر، سكن، حفلات).
• أزمة السكن: عدم امتلاك مسكن لائق يجعل الزواج مؤجَّلًا.
• تغير القيم: صعود قيم الفردانية والتعليم والعمل المهني لدى النساء.
• الهجرة: كثير من الشباب يفضّل انتظار فرصة للهجرة بدل الالتزام بالزواج داخل ظروف صعبة.
12.3. انعكاسات العنوسة
• نفسيًا: ضغط اجتماعي، اكتئاب، شعور بالدونية عند بعض النساء.
• اجتماعيًا: تفكك الروابط التقليدية للأسرة المغربية، وتهديد استقرار البنية السكانية.
• ديمغرافيًا: تراجع معدلات الخصوبة، ما يطرح مستقبلاً خطر “شيخوخة المجتمع”.
العنوسة إذن ليست خيارًا فرديًا محضًا، بل نتيجة مباشرة لسياسات اقتصادية واجتماعية فاشلة.
13. الأرامل: الفئة المنسية
تشير الأرقام إلى أن المغرب يضم حوالي 1.6 مليون أرملة، يمثلن نحو 14% من النساء في سن العمل.
هذه الفئة تعاني هشاشة مضاعفة: فقدان المعيل، ضعف فرص التشغيل، والتمييز الاجتماعي.
13.1. ملامح الأزمة
• اقتصاديًا: معظم الأرامل ينخرطن في القطاع غير المهيكل بأجور هزيلة.
• اجتماعيًا: تحمل عبء إعالة الأطفال دون دعم مؤسسي كافٍ.
• تعليميًا: حوالي 40% منهن لم يحصلن على أي تعليم، مما يعقّد إدماجهن في سوق الشغل.
13.2. برامج الدعم
بعض المبادرات الحكومية وجمعيات المجتمع المدني حاولت تقديم مساعدات مالية أو برامج تكوين مهني، لكنها تبقى محدودة ولا تغطي إلا نسبة صغيرة.
13.3. الانعكاسات
• دوامة الفقر: الأرامل وأبناؤهن أكثر عرضة للسقوط في دائرة الفقر متعدد الأبعاد.
• هشاشة سكنية: الكثير منهن يعشن في ظروف سكن غير لائق.
• تهميش مضاعف: يجتمع عليهن الفقر والتمييز وضعف الاعتراف بدورهن في المجتمع.
14. الترابط بين الأزمات: حلقة مفرغة
لا يمكن فهم أي من هذه الأزمات بمعزل عن الأخرى، إذ يشكّل كل عامل سببًا ونتيجة في الوقت نفسه:
• الفقر والبطالة يغذيان العنوسة ويزيدان من هشاشة الأرامل.
• أزمة السكن تجعل تكاليف الزواج مرتفعة وتعمّق الشعور بالإقصاء.
• التعليم الضعيف ينتج بطالة، وهذه الأخيرة تدفع إلى الفقر والهجرة غير النظامية.
• غياب العدل يعمّق الإحباط ويجعل المواطن فاقدًا للثقة في الإصلاح الداخلي.
• الصحة المتردية تزيد من تكاليف المعيشة وتضعف القدرة على العمل، فتغذي الفقر.
14.1. مثال تطبيقي
شاب فقير يترك المدرسة مبكرًا (فشل التعليم) = يعجز عن إيجاد عمل (بطالة) = يعيش في حي صفيحي (أزمة سكن) = لا يستطيع الزواج (عنوسة) = يفكر في الهجرة غير النظامية (موت محتمل في البحر).
هذه السلسلة التراجيدية تلخص كيف أن فشل تنزيل الدولة الاجتماعية ليس أحداثًا متفرقة، بل بنية متكاملة من الإخفاقات المترابطة.
15. الفساد: الجذر الخفي للأزمات
لا يمكن فهم فشل تنزيل الدولة الاجتماعية في المغرب دون الوقوف عند الفساد باعتباره السبب البنيوي العميق الذي يغذي كل الأزمات الأخرى. فالفساد ليس مجرد سلوك فردي، بل هو منظومة متجذرة في الاقتصاد والإدارة والسياسة، تُعطّل الإصلاحات وتفرغها من مضمونها.
15.1. مظاهر الفساد
• اقتصاديًا:
o هيمنة اقتصاد الريع، حيث تُمنح الامتيازات لمقربين على حساب الكفاءة.
o احتكار الثروات الوطنية (العقار، الصيد البحري، المناجم) من طرف قلة نافذة.
o غياب عدالة جبائية: الأثرياء يتهربون من الضرائب، والفقراء يثقلهم الضغط الضريبي.
• إداريًا:
o الرشوة المستشرية في الإدارات العمومية، مما يجعل الحصول على أبسط الخدمات رهينًا بـ ”مقابل غير مشروع”.
o الزبونية والمحسوبية في التوظيف والترقيات، ما يضعف تكافؤ الفرص ويكرّس الإحباط.
• قضائيًا:
o تلاعب في الملفات، تفاوت في الأحكام، وإفلات بعض المتنفذين من العقاب.
15.2. أرقام ودلالات
• وفق مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، يتأرجح المغرب منذ سنوات بين المراتب 80 و90 عالميًا من أصل 180 دولة، ما يعكس عمق الأزمة.
• تقارير محلية تشير إلى أن أكثر من 60% من المواطنين يعتبرون أن الرشوة ممارسة يومية للحصول على الخدمات.
• خسائر المغرب من الفساد تُقدّر بمليارات الدراهم سنويًا، وهو ما يعادل ميزانيات قطاعات حيوية كالتعليم والصحة.
15.3. أثر الفساد على الدولة الاجتماعية
• في التعليم: تحويل الموارد المخصصة للبنية التحتية إلى مشاريع غير مكتملة أو مغشوشة
• في الصحة: صفقات مشبوهة في الأدوية والتجهيزات، وغياب المراقبة على المستشفيات.
• في السكن: مضاربات عقارية محمية بشبكات مصالح نافذة.
• في العدل: إضعاف ثقة المواطنين في القضاء بسبب الرشوة والسمسرة.
• في الاقتصاد: قتل روح المبادرة والمقاولة الحرة، وتشجيع الهجرة غير النظامية.
15.4. النتيجة
الفساد إذن ليس مجرد عرض جانبي، بل هو الماكينة التي تعيد إنتاج الفقر والبطالة وأزمة السكن والتعليم والصحة.
إن أي حديث عن تنزيل الدولة الاجتماعية دون محاربة حقيقية للفساد، يبقى شعارًا بلا مضمون.
16. دراسات حالة: تجسيد الأزمات على الأرض
16.1. حالة الفقر
في مناطق الأطلس والريف والجنوب الشرقي، يعيش آلاف الأطفال دون ولوج حقيقي للتعليم أو للرعاية الصحية. تقارير رسمية تؤكد أن نسب الفقر في هذه المناطق تفوق المعدل الوطني بأضعاف، حيث تعيش بعض الأسر بأقل من 20 درهمًا في اليوم، أي دون القدرة على تغطية احتياجات الغذاء الأساسية.
16.2. حالة البطالة
في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء وطنجة، تخرج الجامعات سنويًا آلاف الخريجين. لكن الأرقام تكشف أن أكثر من 20% منهم لا يجدون عملًا بعد خمس سنوات من التخرج، فيتحولون إلى عبء على أسرهم، أو يهاجرون بطرق غير نظامية.
16.3. حالة التعليم
في ضواحي فاس والعرائش، تظهر مدارس مكتظة بتلاميذ يتجاوز عددهم 45 في القسم الواحد، بلا موارد تعليمية كافية. كثير من هؤلاء يتسربون مبكرًا، ليجدوا أنفسهم في سوق الشغل الهش، أو في البطالة المزمنة.
16.4. حالة الصحة
في بعض القرى بالأطلس، تبقى النساء الحوامل مضطرات لقطع عشرات الكيلومترات على ظهر البغال للوصول إلى أقرب مستشفى. هذه الظروف تؤدي إلى نسب مرتفعة من وفيات الأمهات والأطفال.
16.5. حالة الهجرة
شواطئ الناظور وطنجة والعرائش تحولت إلى نقاط انطلاق لقوارب الموت. تقارير المنظمات الحقوقية تشير إلى أن المئات من الشباب المغاربة يغرقون كل عام في محاولاتهم لعبور المتوسط.
هذه الأمثلة الواقعية تُجسّد الأزمات المترابطة وتكشف عن حجم المعاناة اليومية، التي لا يمكن اختزالها في مجرد أرقام وتقارير.
17. مستشفى الموت بأكادير نموذجا:
الصحة كقنبلة اجتماعية
عديدة هي الأمثلة التي تؤكد فشل السياسات الصحية في المغرب، لكن أبرزها ما حدث في مستشفى الحسن الثاني بأكادير، حيث تحولت الاختلالات اليومية إلى أزمة اجتماعية فجّرت احتجاجات الشارع.
فقد عانى المرضى وذووهم من نقص الأطر الطبية، وغياب التجهيزات الأساسية، وسوء التدبير الإداري، ما أدى إلى وقوع وفيات مأساوية لمرضى لم يتلقوا العناية اللازمة في الوقت المناسب.
انتشرت عبر وسائل الإعلام صور الأوساخ والحشرات والصراصير التي جعلت من مستشفى الحسن الثاني مقرا آمنا لها، بجانب صور المرضى المتكدسين في الممرات، لتصبح رمزًا لانهيار الخدمات العمومية. ولم يقتصر الغضب على الوضع الصحي فحسب، بل امتد إلى جوهر السياسات العمومية، حيث ربط المحتجون الكارثة بآليات اختيار المسؤولين والوزراء القائمين على القطاع، والتي تتم في الغالب على أساس الولاء الحزبي والزبونية بدل الكفاءة والجدارة.
لقد صار مستشفى الحسن الثاني مثالًا مكثفًا يُجسّد أزمة الصحة في المغرب:
• مؤسسات عمومية في حالة تردٍّ.
• مواطنون يفتقدون الحق في العلاج الكريم.
• طبقة سياسية تدير قطاعًا حيويًا بمنطق التوازنات الحزبية، لا بمنطق الخدمة العامة.
18. الصحة والتعليم كمحركين للاحتجاجات
تشير تقارير رسمية وحقوقية إلى أن قطاعات الصحة والتعليم تتصدر سنويًا قائمة الاحتجاجات الاجتماعية بالمغرب:
• في سنة واحدة فقط (2018)، أحصت وزارة الداخلية أكثر من 14 ألف وقفة واحتجاج محلي، نصفها تقريبًا بسبب مشاكل التعليم والصحة.
• نقابات القطاع الصحي تؤكد أن المغرب يعاني عجزًا يقارب 10 آلاف طبيب و20 ألف ممرض، ما ينعكس مباشرة على الغضب الشعبي.
• في التعليم، بلغ معدل التسرب المدرسي أكثر من 300 ألف تلميذ سنويًا، وهو رقم يُترجم في مظاهرات الآباء والتلاميذ المطالبين بتحسين ظروف المدارس.
هذه الأرقام تُظهر أن ما وقع في مستشفى الحسن الثاني بأكادير ليس حادثًا معزولًا، بل قمة جبل الجليد لأزمة أعمق، حيث أصبح الحق في الصحة والتعليم سببًا مباشرًا لانفجار احتجاجات اجتماعية متكررة، تكشف أن فشل الدولة الاجتماعية لم يعد أمرًا نظريًا، بل واقعًا يعيشه الشارع يوميًا.
19. الاستنتاجات
1. فشل بنيوي: الدولة الاجتماعية في المغرب لم تُترجم إلى واقع، رغم كثرة البرامج والمخططات.
2. ترابط الأزمات: الفقر، البطالة، السكن، الصحة، التعليم، العدل، والهجرة، كلها حلقات في سلسلة واحدة من الإخفاقات.
3. الفساد كجذر: الفساد هو المحرك الخفي الذي يقوض كل الإصلاحات ويعيد إنتاج الهشاشة.
4. غياب العدالة الاجتماعية: سياسات الدولة ما تزال تميل إلى خدمة النخب والقطاع الخاص، بدل تمكين الفئات الهشة.
5. فقدان الثقة: المواطن المغربي، خاصة الشباب، فقد الثقة في وعود التنمية، ما يفسر الانفجار في الهجرة غير النظامية.
20. مقارنة المغرب مع تركيا وإسبانيا
إذا وضعنا التجربة المغربية بجانب تجارب دول أخرى مثل تركيا وإسبانيا، يتضح حجم الفارق في النتائج رغم تشابه بعض التحديات.
20.1. تركيا:
• قبل عقدين كانت المنظومة الصحية متعثرة، لكن الدولة أطلقت منذ 2003 برنامجًا شاملًا لإصلاح الصحة والتعليم.
• تم بناء وتجهيز مئات المستشفيات الحديثة وتوظيف آلاف الأطباء الجدد، مع توفير تغطية صحية شاملة بأقل التكاليف.
• في التعليم، استثمرت تركيا بكثافة في البنية التحتية المدرسية وربطت المناهج بسوق الشغل، ما خفّض نسبة الأمية إلى أقل من 4%.
• النتيجة: ارتفع متوسط العمر المتوقع، وتحسنت المؤشرات التعليمية، وأصبح القطاع الصحي عنصر فخر وطني.
20.2. إسبانيا:
• رغم الأزمة الاقتصادية في 2008، حافظت على واحد من أفضل أنظمة الصحة العمومية في العالم وفق منظمة الصحة العالمية.
• يعتمد النظام الإسباني على اللامركزية والشفافية، حيث تدير الأقاليم مواردها الصحية بشكل مستقل نسبيًا، مما يضمن توزيعًا متوازنًا للخدمات.
• في التعليم، تُخصص إسبانيا أكثر من 4% من الناتج الداخلي الخام للقطاع، ما يجعل التعليم العمومي مجانيًا وعالي الجودة حتى مستوى الجامعة.
• النتيجة: خدمات صحية وتعليمية مقبولة للجميع، تعزز الثقة بين المواطن والدولة.
20.3. الدرس المستفاد
بينما فشلت المنظومة المغربية في ضمان أبسط حقوق الصحة والتعليم، نجحت تجارب مثل تركيا وإسبانيا في تحويل هذين القطاعين إلى ركائز للتماسك الاجتماعي والتنمية، من خلال:
• توظيف الكفاءات بدل الولاءات.
• تخصيص ميزانيات كافية ومراقبة صارمة على الإنفاق.
• جعل الإنسان في قلب السياسات العمومية بدل تحويل الخدمات إلى ورقة انتخابية أو مجال للريع.
21. الخوصصة في المغرب كخيار مقصود
بعكس التجارب الدولية الناجحة التي جعلت من التعليم والصحة رافعة للتنمية، يبدو أن المغرب قد اختار في العقود الأخيرة مسار الخوصصة التدريجي لهذه القطاعات الحيوية بهدف التخلص من عبئها الاجتماعي الذي يثقل كاهل الدولة وإتاحة الفرص لرجال الأعمال لتولي هذه القطاعات الحيوية، الأمر الذي يفضح حقيقة السياسات الرسمية اللا اجتماعية في بلد فقير يعني شعبه من القر والهشاشة.
21.1. في الصحة:
o ضعف الاستثمار في المستشفيات العمومية قابله توسع سريع في القطاع الخاص.
o النتيجة: من يملك المال يحصل على علاج لائق، ومن لا يملك يُترك لمصيره.
o تقارير تشير إلى أن نفقات الأسر المغربية على العلاج في القطاع الخاص تمثل أكثر من 50% من مجموع الإنفاق الصحي، وهي نسبة مرهقة بالنسبة لبلد فقير.
21.2. في التعليم:
o المدارس العمومية تعاني الاكتظاظ والهشاشة، في حين يتم التوسع في المدارس الخاصة، التي أصبحت تستقطب حتى أبناء الطبقة المتوسطة.
o هذا التوجه خلق تعليمًا بطبقتين: تعليم للنخبة الخاصة يضمن الجودة، وتعليم عمومي هش يعيد إنتاج الفقر.
o تشير المعطيات إلى أن نسبة تلاميذ التعليم الخاص ارتفعت من أقل من 5% في التسعينيات إلى ما يقارب 20% اليوم.
21.3. الخلفية السياسية
هذا التوجه ليس عفويًا، بل يخدم منطق النيوليبرالية الذي يجعل الخدمات الاجتماعية مجالًا للربح بدل كونها حقوقًا مواطنة. بعبارة أخرى: الأزمة ليست نتيجة عجز الدولة، بل نتيجة خيارات مقصودة، حيث يُترك المواطن الفقير لمصيره، بينما تُفتح أبواب الاستثمار أمام القطاع الخاص للاستفادة من هشاشة القطاعات العمومية.
21.4. خلاصة جزئية
بينما ضمنت تركيا وإسبانيا خدمات عمومية قوية عززت التماسك الاجتماعي، اختار المغرب خوصصة التعليم والصحة، وهو ما جعل هذه القطاعات تتحول من حق اجتماعي إلى امتياز طبقي، يعمّق الفجوة ويغذي الاحتجاجات.
22. التوصيات
22.1. على المستوى الاقتصادي
• تشجيع الاستثمار المنتج في الزراعة والصناعة والتكنولوجيا بدل الريع.
• فرض عدالة جبائية حقيقية، حيث يدفع الأغنياء نصيبهم، ويُرفع العبء عن الفقراء.
• دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ببرامج تمويل وتكوين.
22.2. على المستوى الاجتماعي
• تعميم تعليم جيد ومجاني، مع مراجعة المناهج لتتلاءم مع سوق العمل.
• إصلاح جذري للمنظومة الصحية: تجهيز المستشفيات، توزيع عادل للأطباء، دعم الصحة الوقائية.
• إطلاق برامج إسكان حقيقية، موجهة للفئات الضعيفة، بعيدًا عن المضاربات العقارية.
22.3. على مستوى العدالة والحوكمة
• تعزيز استقلالية القضاء ومكافحة الفساد والسمسرة بكل حزم مع ضمان شروط المحاكمة العادلة بكل ما تعني الكلمة من معنى قياسا بالدول المتقدمة.
• تفعيل آليات المحاسبة والشفافية في تدبير المال العام.
• إشراك المجتمع المدني والإعلام في الرقابة على المشاريع العمومية.
22.4. على مستوى الهجرة
• خلق أفق داخلي للشباب عبر التشغيل والاندماج الاجتماعي، بدل تركهم فريسة لقوارب الموت.
• التفاوض مع الاتحاد الأوروبي على أساس شراكة عادلة، لا على أساس الابتزاز بملف الهجرة.
23. الخاتمـــة
إن صورة المغرب اليوم تكشف عن فشل مزدوج: فشل في تنزيل الدولة الاجتماعية، وفشل في إقناع المواطنين بجدوى الإصلاحات المعلنة. فالفقر متجذر، البطالة متفشية، التعليم متعثر، الصحة منهكة، السكن متأزم، العدالة مغيبة، الفساد ضارب أطنابه في جذور الدولة، والهجرة غير النظامية تلتهم أحلام الشباب.
هذا الوضع ليس قدرًا محتومًا، بل هو نتيجة لخيارات سياسية واقتصادية خاطئة، ولغياب إرادة حقيقية في محاربة الفساد وتوزيع الثروة بعدالة.
إن بناء دولة اجتماعية في المغرب يتطلب ثورة في السياسات العمومية، ثورة تقطع مع الفساد والمحسوبية والزبونية وتجعل الإنسان في قلب التنمية، وتعيد الثقة بين المواطن والدولة.
بدون ذلك، سيظل الشعار الاجتماعي مجرد ديكور سياسي، فيما الواقع يزداد هشاشة، والآمال تهاجر مع قوارب الموت إلى المجهول.
------ * ------
مراجع الدراسة
1. تقارير رسمية مغربية
• المندوبية السامية للتخطيط. إحصائيات الفقر والتشغيل في المغرب، الرباط، إصدارات مختلفة 2019–2023.
• وزارة الصحة والحماية الاجتماعية. المخطط الوطني للصحة 2020–2030. الرباط.
• وزارة التربية الوطنية. إحصائيات الدخول المدرسي، الرباط 2022.
• وزارة الاقتصاد والمالية. مشروع قانون المالية والتقارير المرافقة، الرباط 2021–2024.
2. تقارير دولية
• البنك الدولي. مؤشرات التنمية في المغرب، واشنطن، تقارير دورية 2018–2023.
• برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). تقرير التنمية البشرية في المنطقة العربية. نيويورك، 2022.
• منظمة الصحة العالمية (WHO). الملف الصحي للمغرب. جنيف، 2021.
• منظمة الشفافية الدولية (Transparency International). مؤشر مدركات الفساد. برلين، 2022–2023.
• اليونيسيف (UNICEF). حالة الأطفال في المغرب، نيويورك، 2021.
• الاتحاد الأوروبي. تقرير الهجرة في غرب المتوسط. بروكسل، 2022.
3. مؤلفات ودراسات أكاديمية
• عبد الله العروي. مجمل تاريخ المغرب. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1996.
• محمد جسوس. سوسيولوجيا التربية. الرباط: مطبعة النجاح الجديدة، 2001.
• عبد الله حمودي. الشيخ والمريد. الدار البيضاء: دار توبقال، 2008.
• المهدي المنجرة. الإهانة في عهد الميغا إمبريالية. بيروت: المركز الثقافي العربي، 2003.
• Fatima El-Issawi. Morocco’s Fragile Authoritarianism. Carnegie Middle East Center, 2020.
• Susan Ossman. Picturing Casablanca: Portraits of Power in a Modern City. University of California Press, 1994.
4. مقالات صحفية وتحقيقات
• جريدة أخبار اليوم المغربية: ملفات عن الصحة والتعليم (2018–2020).
• جريدة لوموند الفرنسية: تقارير عن الهجرة غير النظامية عبر المغرب (2021–2022).
• Middle East Eye: تقارير تحليلية عن الاحتجاجات الاجتماعية في المغرب (2019–2022).
• جريدة هسبريس الإلكترونية (أحداث مستشفى الحسن الثاني بأكادير)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق