مولاي صاحب الجلالة،
أكتب إليكم بصفتي مواطنًا مغربيًا يحمل همّ الأمة، لأتسائل معكم كما تساءلتم ذات خطاب: "ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانوا هم في وادٍ، والشعب في وادٍ آخر"؟
لهذا السبب بالذات، أتوجه إلى مقامكم العالي بقلب يعتصره الألم على وطن جريح بخنجر السياسة، وعلى مواطن مكلوم تجاوز صبره حدود الصبر .../...
مولاي صاحب الجلالة،
لا رغبة لي في منصب ولا أسعى لشهرة أو جاه،
وإنما إبراءً للذمة أمام الله والتاريخ والشعب، لأقول لك بكل احترام:
لقد مرّ ما يناهز عقدا ونصف على دستور 2011، يوم خرج المغاربة إلى الساحات مطالبين بالقطع مع سياسات الريع والفساد، وبناء دولة المؤسسات التي تضمن حياة كريمة وعدالة اجتماعية لهذا الشعب المؤمن العظيم. غير أنّ الحلم بقي معلقًا، والدولة الاجتماعية التي بشّر بها الدستور ظلت حبرًا على ورق، فيما الواقع يكشف خيبة أمل عميقة وفجوة متسعة بين وعود الأمس وحقائق اليوم.
مولاي، ملك البلاد وأمير المؤمنين وأب الأمة،
إن الفشل بادٍ في كل قطاع تكاد لا تُخظئه العين:
• القضاء أسير الفساد والسمسرة، فاقد لهيبته واستقلاليته.
• التعليم متعثر، يهدر مستقبل الأجيال بدل أن يكون رافعة للارتقاء.
• الصحة منهارة، والمستشفيات عاجزة عن صون حياة المريض فأحرى صحته.
• الاقتصاد مرتهن للريع ولوبيات الفساد، والشباب يواجه بطالة قاتلة وانسداد الأفق.
• ورغم أن المغرب بلد فلاحي ويزخر بثرة سمكية هائلة في بحرين، إلا أن كل المخططات الخضراء والزرقاء فشلت، ولم يستفد المواطن من خيرات وطنه.
• كما أن غلاء المعيشة بلغ مستويات فاحشة بسبب احتكار قطاع الطاقة من طرف رئيس الحكومة نفسه، ما انعكس على أسعار المواد الأساسية فأثقل كاهل الأسر وأذل المواطن في قوته اليومي، الأمر الذي أصبح يذكر البعض بما حدث لشهداء كوميرا في مراكش زمن العاهل الراحل، وما عرفته الدار البيضاء من أحداث أليمة رسمت جرحا غائرا في جسد الأمة في ثمانينيات القرن الماضي.
• الهجرة في قوارب الموت لم تتوقف بعد أن صارت حلمًا يائسًا لملايين المحرومين شبابا وأطفالا.
• الأسرة المغربية العريقة أصبحت تعاني اليوم كل أوجه التفكك؛ عزوف عن الزواج، تفاقم نسب الطلاق والعنوسة تحت وطأة الأزمات، وانحلال خلقي غير مسبوق ما ينذر بانهيار عام، لأن "الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا" كما يقول أمير الشعراء.
• الفلاح الصغير مسحوق، فيما الثروة المائية والزراعية محتكرة من قبل إقطاع العهد الجديد.
• فشل المخطط الأخضر دفع شباب البادية إلى النزوح نحو المدن حيث تفرخت مدن الصفيح كالفطر، وتحولت إلى بؤر للجريمة والإرهاب (أحداث 16 ماي 2003 وارتفاع نسب الجريمة في المدن مثالا).
• حتى الكوارث الطبيعية لم تسلم من أطماعهم، بدليل ما آلت إليه أوضاع ساكنة الحوز من حالة كارثية يندى لها الجبين، ومع ذلك لم نجد في النيابة العامة "المستقلة" من يجرأ على محاسبة المسؤولين.
• الثروات الطبيعية من فوسفاط وسمك ومناجم وطاقة تُستغل من قبل جهات داخلية وخارجية، فيما سكان المناطق المنتجة لها يعيشون الفقر والتهميش.
• الفوارق الاجتماعية تزداد حدة، والطبقة الوسطى تتلاشى، إن لم تكن قد تلاشت بالفعل.
• الحريات مقيدة، والأقلام الحرة تُكسّر، وأفواه الصحفيين الشرفاء تُكمّم، وكل من عبّر عن رأيه بحرية وجد نفسه أمام المحاكم متابعا كمجرم، حتى بدا المغرب في أعين أبنائه معتقلا كبيرًا، البريئ فيه مشتبه به حتى يثبت هو براءته، ويعلن تنازله عن حقه في التعبير عن رأيه وتوبته مما اقترف قلمه أو لسانه.
• السياسة تحولت إلى واجهة باهتة، برلمان ضعيف وأحزاب بلا مصداقية يصدق عليه وصف "الدكاكين السياسية" التي لا هم لها سوى بيع الوهم للشعب وخدمة السلطة مقابل الرّيع.
• الإعلام الرسمي يرقص على معاناة المواطنين وينتج التفاهة والسخافة والبشاعة.
• جهات المملكة مهملة بعد أن تحولت إلى بؤر يأس بما طالها من تهميش.
• والأسوأ: أنه لا زال هناك إصرار على الاستمرار من قبل من يتولون المناصب السياسية عن طريق شراء الذمم، للجمع بين السياسة والتجارة، ما أفسد السياسة والتجارة وأضر بالاقتصاد، بل وذبح مبدأ المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص بين المواطنين الشرفاء من الوريد إلى الوريد.
مولاي أمير المؤمنين،
بصفتكم ملك البلاد، ورمز الأمة، والمسؤول الأول والأخير عن أحوالها أمام الله والتاريخ والضمير..
تعلمون علم اليقين أن جوهر الداء يكمن في بنية السلطة: وأنكم مهما فعلتم لا تستطيعون إدارة بلد كالمغرب بالخطابات المُنمّقة والنّوايا الحسنة. وأنه آن الأوان للقطع مع ازدواجية الحكم: بين حكومة ظِلّ قابعة في دهاليز القصر تمسك بخيوط اللعبة ومفاصل القرار، مقابل حكومة شكلية في الواجهة، مكونة من دكاكين سياسية منتخبة وفق لعبة جهنّميّة مُخطّط لها، تُكبِّلُها لتبقيها بلا أغلبية ولا سلطة حقيقية، تُنفّذ سياسات مفروضة لا برامج وطنية حقيقية.
ومع غياب المحاسبة، واستفحال الإفلات من العقاب، وفساد النخب، أصبح الشعب يرى في المؤسسات الصّوريّة القائمة مجرد ديكور لا يخدم البلاد ولا يصب في مصلحة العباد، الأمر الذي أفقده الثقة في السياسة، وساس، ويسوس، والمسؤولين أجمعين.
مولاي الملك،
لقد آن الأوان لرؤية إصلاحية جذريّة، تحفظ الوطن وتصون العرش وتضمن استمرار الملكية في قلوب المغاربة بالمحبة بدل الخوف، وذلك من خلال الإجراءات العملية التالية:
• إقالة الحكومة الفاسدة الحالية وحل البرلمان العاجز.
• تولي ولي العهد حفظه الله رعاية حكومة كفاءات وطنية من التكنوقراط. تقود مشروعًا تنمويًا حقيقيًا برؤية ثوريّة مغايرة، وبكفاءات شابة جديدة مؤهّلة ونزيهة، الأمر الذي سيضع حدا نهائيا للإشاعات المغرضة التي يُروّج لها بقوة بعض الخونة وأعداء الوطن عن الصراع المتوهم الدائر بين المحاور في القصر بشأن انتقال السلطة.
• إطلاق نموذج تنموي جديد يضع إصلاح منظومة العدالة، التعليم، الصحة، والشغل، لتكون هذه القطاعات الحيوية في قلب السياسات العمومية.
• محاسبة صارمة للفساد والمفسدين مهما علت مراتبهم، من الذين يتحكمون في90% من ميزانية الدولة، بدل الإقتصار على متابعة المنتخبين المحليين الذين لا يتحكمون سوى في 10 % من الميزانية العامة من باب ذر الرماد في العيون.
• تأجيل الديمقراطية الشكلية إلى أن تتوفر شروطها من قيم وأخلاق وضمير ووعي، والتركيز على برامج التنمية كما حدث في تجربة النمور الأسيوية الناجحة (أندونيسيا، ماليزيا، وسنغافورة).
• تحويل التجربة الجديدة إلى فرصة لولي العهد لاكتساب خبرة في الحكم، وممارسة السياسة، والاقتراب من هموم الشعب، استعدادًا لانتقال سلس وآمن للسلطة في ظل الشرعية والمشروعية بعد عمر طويل في ظل توجيه جلالتكم.
مولاي، ملك البلاد وأمير المؤمنين وأب الأمة،
هذه صرخة ضمير صيغت باحترام، لا تطاول فيها على مقامكم ولا خصومة، وإنما نداء من أجل إنقاذ البلاد والعباد مما يرتسم في الأفق من سواد قبل فوات الأوان.
نقول هذا لقناعتنا بأن التاريخ لا يرحم أحدا، وأن "الله يقيم الدولة الكافرة العادلة ولا يقيم الدولة المسلمة الظالمة".
والسلام على جلالتكم ورحمة الله وبركاته.
ملحوظة:
من مواطن مغربي يمثل ضمير الأمة الحي، إلى مواطن مغربي برتبة ملك.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق