"جيل Z " يخاطب الملك.. وهذه تقديرات الاستجابة


(تحليل سياسي)

(استراتيجية إدارة الصراع: التهدئة مقابل الإصلاح الهيكلي)

إن توجيه "حركة جيل Z " (قِدْرُ الطِّينْ) رسالة مطالب مباشرة إلى الملك محمد السادس الجمعة 3 أكتوبر 2025، يمثل لحظة استراتيجية ذات معنى عميق، حيث بإقدامها على هذه الخطوة تكون قد قامت بتفعيل "ورقة التصعيد القصوى" بعد أن أعلنت فقدانها الثقة في الأحزاب والحكومة. هذه الخطوة تضع (قدر الحديد) "النظام التقليدي" أمام تحدٍ مباشر وعلني لإعادة تعريف "عقد الشرعية" مع جيل جديد. 
والسؤال الذي يطرح بالمناسبة هو: - هل يمكن لهذه المطالب أن تحظى باستجابة ملكية؟.../...

شرعية السؤال حول الاستجابة تأتي من كون أن جيل Z حركة شبحية لا قيادة لها، وبالتالي، لا يعرف يقيناً من بعث بالرسالة. فمنطق النظام التقليدي (قدر الحديد) يفرض صعوبة التجاوب مع مطالب لا يعرف مصدرها المؤسساتي. لكن، حيث إن غموض المصدر هو جوهر قوة جيل Z من جهة، وكون أن لا أحد من أعضاء الجيل الرقمي نفى حتى الآن أن تكون هذه المطالب من مصدر غير الحركة من جهة ثانية، فلا يسعنا إلا أن نفترض أنها فعلاً تمت صياغتها في غرف جماعية عبر قنوات التنسيق مثل (Discord) من قِبل أعضاء الجيل الرقمي المغربي. وفي هذه الحالة: 

- هل ستحظى الرسالة بتجاوب ملكي كما يتوقع أصحابها؟ 

- أم أن جيل Z يعرف الجواب مسبقاً، وأن إرساله لهذه المطالب لا يعدو عن كونه مجرد حجة لتبرير التصعيد الأقصى من باب 'قد أعذر من أنذر'؟"

ومهما يكن من أمر فستظهر لنا الأيام القليلة القادمة الجواب على هذه التساؤلات. لكن قبل ذلك لنحاول تصور ما هي إجابة المؤسسة الملكية على مطالب الحركة الثمانية، عملا بقوله تعالى: {إن يعلم الله في قلبكم خيرا يؤتكم خيرا}. [الأنفال: 70]

 في هذه الحالة، المتوقع أن يكون الجواب حذراً ومجزأً، يهدف إلى امتصاص الصدمة الاجتماعية مع الحفاظ على الهيبة واستقرار الهيكل السياسي (قدر الحديد). لكن:

هل تقبل الحركة بتهدئة مقابل استجابة محدودة لا تتضمن إصلاح بنية السلطة؟.

بالتحليل المنطقي، يمكن تقدير الاستجابة لمطالب "جيل Z" الثمانية التي جاءت في الرسالة كالتالي:

المطلب رقم 1: إقالة الحكومة الحالية بقيادة رئيسها عزيز أخنوش، “لفشلها في حماية القدرة الشرائية للمغاربة وضمان العدالة الاجتماعية”، وذلك استناداً إلى صلاحيات الملك المنصوص عليها في الفصل 47 من الدستور.

- تقدير الاستجابة: التقدير منخفض جداً في المدى القريب. إقالة الحكومة استجابة لضغط الشارع المباشر (خلال أيام الاحتجاج) سيُعتبر انهياراً لهيبة الدولة وتضعضعاً للنظام. من المرجح أن يُفضّل النظام تأجيل هذا القرار أو اللجوء إلى إقالة وزراء (الصحة والتعليم والشغل) كـ "كبش فداء"، مع الحفاظ على رئيس الحكومة مؤقتاً لتجنب إظهار الضعف أمام "الشارع الرقمي".

المطلب رقم 2: إطلاق مسار قضائي لتتبع محاسبة الفاسدين عبر تفعيل آليات الرقابة والمحاسبة ضد كل من يثبت تورطه في الفساد ونهب المال العام، “أيّاً كان موقعه”.

- تقدير الاستجابة: المرجح أن تكون الاستجابة متوسطة. مكافحة الفساد هي محور الخطاب الملكي. يمكن الاستجابة لهذا المطلب عبر الإعلان عن تفعيل آليات رقابية أو فتح تحقيقات في ملفات فساد محددة، مما يُرضي الرأي العام بوجود نوع من المساءلة دون المساس بالقيادات الكبرى أو الهياكل النافذة.

المطلب رقم 3: حل الأحزاب المتورطة في الفساد، في إشارة مباشرة إلى القوى السياسية التي تتهمها الحركة بفقدان المصداقية وتحويلها إلى أدوات “شبكات الريع”.

- تقدير الاستجابة: منخفض جداً. الأحزاب، بالرغم من انتقادها، هي أدوات الوساطة الأساسية للنظام. حلها بقرار فوقي سيخلق فراغاً سياسياً خطيراً وقد يُفهم على أنه انسحاب من اللعبة الديمقراطية. سيتم تجاهل هذا المطلب مع التركيز على تفعيل المحاسبة داخل الأحزاب بدلاً من حلها.

المطلب رقم 4: تفعيل مبدأ المساواة وعدم التمييز وضمان فرص متكافئة للشباب في التعليم والصحة والشغل، بعيداً عن المحسوبية والزبونية.

- تقدير الاستجابة: متوسط. ستكون الاستجابة تكتيكية متوسطة. لأنه مطلب واسع واجتماعي. يمكن ترجمته فوراً عبر إطلاق أو تسريع "مشاريع وبرامج اجتماعية" في قطاعي الصحة والتعليم، والتي كانت الشرارة الأولى للاحتجاجات. الأمر الذي سيُعيد توجيه النقاش من المساءلة السياسية إلى العمل الحكومي والإصلاح التنفيذي.

المطلب رقم 5: تعزيز حرية التعبير والحق في الاحتجاج السلمي، مع الدعوة إلى وقف كل أشكال التضييق على الشباب والطلبة والنشطاء، باعتبار حرية التعبير “حقاً دستورياً أصيلاً”.

-  تقدير الاستجابة: استجابة عالية. هده المطالب تتعلق بالحريات الفردية وحقوق الإنسان، وهي الأدوات الأسرع والأقل تكلفة سياسيا لتهدئة الشارع وإظهار حسن النّية، حيث يسهل الاستجابة لها بتوجيهات قضائية دون المساس بالهيكل الحكومي.  

المطلب رقم 6: إطلاق سراح جميع المعتقلين المرتبطين بالاحتجاجات السلمية، استناداً إلى الفصل 29 من الدستور، الذي يكفل حرية الاجتماع والتظاهر. وذكرت الرسالة أن المتابعة القضائية يجب أن تقتصر فقط على “من ثبت تورطه في أعمال تخريب أو اعتداء على الممتلكات”.

- تقدير الاستجابة: استجابة عالية:. الإفراج الفوري عن الشباب الذين لم يتورطوا في أعمال تخريب، سواء عبر عفو ملكي أو توجيه قضائي، هو المفتاح الأول لخفض منسوب الغضب في الشارع وبين الأهالي. هذه خطوة ضرورية لإظهار الفرق بين القمع والمساءلة القانونية على الأعمال الإجرامية.

المطلب رقم 7: الإفراج عن كافة معتقلي الرأي والانتفاضات الشعبية والحركات الطلابية، باعتبارهم “مواطنين عبّروا سلمياً عن مطالب اجتماعية وسياسية مشروعة”، استناداً إلى الفصل 23 من الدستور الذي يحظر الاعتقال التعسفي.

- تقدير الاستجابة: منخفض. هذا المطلب يمس الأرشيف السياسي الحساس. الاستجابة الشاملة له تُعتبر اعترافاً بخطأ تاريخي في إدارة ملفات مثل "حراك الريف". سيتم التعامل معه عبر عفو ملكي انتقائي في مناسبة وطنية، بدلاً من استجابة فورية وشاملة تُبطل الأحكام السابقة وتظهر تورط النظام في اعتقالات سياسية تعسفية.

المطلب رقم 8: تنظيم جلسة وطنية علنية للمساءلة برئاسة الملك، لمحاسبة الحكومة الحالية أمام أنظار الشعب، على خلفية ما اعتبرته الوثيقة “تدبيراً كارثياً للسياسات الاقتصادية والاجتماعية”.

- تقدير الاستجابة: المرجح أن تكون الاستجابة متوسطة إلى منخفضة وستكون بصيغة معدَّلة. الجلسة العلنية التي يرأسها الملك لمحاسبة الحكومة علناً تُعتبر إهانة سياسية لرئيس الوزراء وخطوة نحو الحكم المباشر. السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استبدالها بخطاب ملكي قوي ينتقد أداء الحكومة. من المستبعد جدا عقد اجتماع عمل كبير برئاسة الملك يحضره مسؤولون حكوميون وممثلون عن الشباب، لضمان المساءلة بشكل غير مباشر، لأن مثل هذا السيناريو الأخير يجعل الملك يقبل بمناقشة أمور الحكم مع عناصر من خارج المؤسسات الدستورية.

o في الخلاصة: الملكية ستستجيب لـ قلق الشباب فيما له علاقة بالحريات والخدمات الأساسية التي كانت سببا في الحراك، لكنها ستقاوم بشدة مطالبتهم بـ إصلاح الهيكل السياسي (إقالة الحكومة وحل الأحزاب) في هذه المرحلة المبكرة. هذا الموقف يهدف إلى تحويل موجة الغضب نحو قناة الإصلاح التنفيذي وتجنب انهيار الثقة في المؤسسات التي تمس مباشرة صورة الديموقراطية الشكلية المغربية.

لكن، وبغض النظر عن نوع المطالب وطبيعة الاستجابات المحتملة، فإن السؤال الذي يطرح بالمناسبة هو:

- ماذا تعني هذه الخطوة المبكرة التي أقدم عليها الشباب؟ هل هي تكتيك لوضع المؤسسة الملكية أمام مسؤولياتها الدستورية والتاريخية، أم خطوة استباقية قبل التصعيد من باب "قد أعذر من أنذر"؟

نقول هذا لأنه في رسالة الحركة الموجهة للملك، وردت عبارة: 

"جيل جديد يرفض الاستمرار في دوامة الفساد والفشل".

وهذا يعني ضمنيا بالقراءة السياسية المعمقة، أن الرسالة تمثل نقطة تحول في علاقة الجيل الجديد بالمؤسسة الملكية، فإما أن تقبل بفتح مسار جديد من الإصلاح الجذري الذي ينهي كل أشكال الصورية ويُنزّل على الأرض ديموقراطية حقيقية ينخرط فيها جيل الشباب المثقف والنظيف، الأمر الذي سيرسخ مكانة الملكية في أجندة الجيل الجديد، أو أن يرفض الملك الإصلاحات المقترحة ويحاول المراوغة من خلال إصلاحات شكلية لا ترقى لطموحات الشباب حفاظا على توازناته القديمة، واستنادا لما يعتقد أنه يتحكم فيه من قوة، (صلابة قِدر الحديد). الأمر الذي سيُعد قفزة نحو المجهول، لأنه سيفتح الباب واسعاً لتصعيد قد يؤدي لانفجار "أزمة الشرعية"، مما سيغر وجه المغرب إلى الأبد، ويجعل تكلفة القمع تفوق تكلفة الإصلاح.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق