الصحراء المغربية: بين مقترح الحكم الذاتي والقرار المرتقب

 

(قراءة في مواقف القوى الكبرى والسيناريوهات المحتملة)

تمهيد: مجلس الأمن على موعد حاسم

يعقد مجلس الأمن الدولي يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول 2025 جلسة للتصويت على مشروع قرار أميركي يخصّ الصحراء، يتّجه—بحَسَب الصيغة المتداولة—إلى تأكيد مركزية مبادرة الحكم الذاتي لعام 2007 كإطار العملية السياسية، مع تمديد قصير لولاية المينورسو حتى 31 يناير/كانون الثاني 2026 بدل التمديد السنوي المعتاد، ما يضع ضغطًا زمنيًا على الأطراف ويكسر رتابة التجديد الآلي للمهمة. هذا التوجّه أثار امتعاض الجزائر والبوليساريو، بينما ترى فيه عواصم غربية “تصحيحًا للمسار” نحو تسوية واقعية.../...

 

تنبيـــه: لا توجد في نصّ المشروع صيغة «مهلة 90 يومًا» كإنذار رسمي؛ المقصود عمليًا هو أثرُ التمديد القصير الذي يخلق نافذة ضغط تفاوضية حتى نهاية يناير. 


أولاً: الموقف الأميركي — ترسيخ «الحكم الذاتي»

منذ اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء عام 2020، ظلّ الخط العام داعمًا لمقترح الحكم الذاتي باعتباره “الأساس الجاد والواقعي” للتسوية. مشروع القرار الحالي يواصل هذا المسار مع مقاربة براغماتية تُهمِّش خيار الاستفتاء، وتستخدم أداة التمديد القصير للمينورسو للدفع بمسار تفاوضي مُحكم الإطار. بالتوازي، يناقش الكونغرس مشروع قانون H.R.4119 لتصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO)—وهو مسار تشريعي منفصل عن الأمم المتحدة لكنه يكشف درجة التصعيد السياسي في واشنطن. 


ثانياً: موقف المغرب — الحكم الذاتي سقف الحل

يثبّت المغرب عرضَه لعام 2007: سيادة كاملة للدولة على الإقليم مع نقلٍ موسّعٍ للاختصاصات المحليّة (برلمان جهوي وحكومة محلية لإدارة التعليم والصحة والثقافة والتنمية)، وعدم طرح الاستفتاء أو الاستقلال كخيارات. التنفيذ الواقعي يبدأ من المناطق الخاضعة لسيطرته (حوالي 80%)، ويُفَعَّل تدريجيًا عبر استثمارات وتنزيل مؤسسي إذا مرّ القرار. (خلاصة معروفة ومتّسقة مع خط الرباط المعلن).


ثالثاً: موقف البوليساريو — رفضٌ وتصعيدٌ دفاعي

أعلنت البوليساريو رسميًا رفضها مشروع القرار الأميركي، وراسلَ ممثلُها في الأمم المتحدة رئاسةَ المجلس مع طرح “مقترح موسَّع” بديل، ملوّحةً بعدم الانخراط في أي مسار يتجاهل “حق تقرير المصير”. هذا يضعها بين:

الاستمرار في الرفض معتمدَةً على السند الجزائري وبعض الحلفاء،

أو التصعيد الإعلامي/الميداني شرق الجدار العازل،

مع مخاطرةٍ متزايدة بفقدان الزخم الدولي—خاصةً إذا تقلّصت ولاية المينورسو زمنياً وتركّزت لغة القرارات على الحكم الذاتي. 


رابعاً: الجزائر — تضييق هامش المناورة

خارجيًا، يتراجع نفوذ الجزائر داخل المنظومات الإقليمية مقارنةً بسنوات سابقة، فيما تتعامل بحساسية شديدة مع التحركات الأميركية في الساحل. ورغم تواصل قنوات عسكرية (زيارات، مذكرات تفاهم)، تؤكد المعطيات أنها لم تستضِف AFRICOM ولا تشارك في مناورات African Lion 2025—بل امتنعت أو قاطعت بسبب إجرائها في المغرب ومشاركة وحدات إسرائيلية—ما يُضعف مقولة “احتضان أنشطة القيادة” ويجعلها غير دقيقة. 

اقتصاديًا، ما تزال ورقة الغاز أداة ضغط مركزية لدى الجزائر، لكن جدواها تتآكل كلّما تقدّم مشروع الربط الأطلسي النيجيري–المغربي، واتّسعت بدائل أوروبا. (انظر فقرة المشروع الأطلسي أدناه). 


خامساً: روسيا والصين — امتناعٌ مرجّح بلا فيتو

  • روسيا، رئيسةُ المجلس لهذا الشهر، تميل—بحسب سجل السنوات الأخيرة—إلى الامتناع لا الفيتو، ساعيةً لموازنة علاقاتها مع الرباط والجزائر، ومع اهتمام متجدد بالتعاون الاقتصادي (ومنها اتفاق الصيد المتجدد مع المغرب في أكتوبر 2025).


  • الصين بدورها تتجنّب سابقة يمكن أن تُستَخدم ضدها في ملفات حسّاسة (تايوان/التبت)، وتميل للتحفّظ أو الامتناع مع توسيع حضورها الاستثماري في المغرب وشمال/غرب إفريقيا. 


الخلاصة المرجّحة: لا تعطيل روسي–صيني، وربما امتناع مزدوج يمرّر القرار بأغلبية الأصوات. 


سادساً: الأثمان/المقايضات المحتملة

  • واشنطن/بروكسل: تسريع الاستثمار والقنصليات/التمثيل في العيون والداخلة، وتعميق الشراكات الأمنية بساحل غرب إفريقيا—من دون إقامة قواعد أجنبية بالمغرب (ثابتة حسّاسة في تصور الرباط للأمن والسيادة). 

  • موسكو: توسيع التعاون في الصيد البحري، وربما الطاقة والأسمدة، بما يعزّز ارتباط مصالح روسيا باستقرار جنوب المغرب. 

  • بكين: إشراكها في البنية التحتية (موانئ/لوجستيات/طاقات متجددة ومعادن) وتيسير تموضع مشاريع “الحزام والطريق” عبر الواجهة الأطلسية للمغرب نحو إفريقيا. (اتجاه راسخ في سياسات الصين الإفريقية).


سابعاً: المشروع الأطلسي ورقة المغرب الرابحة

يمثّل أنبوب نيجيريا–المغرب (نحو 6,800 كلم وتكلفة تقديرية ~25 مليار دولار) تحوّلًا جيواقتصاديًا عميقًا: بديل طاقي استراتيجي لأوروبا، وتنمية مترابطة لدول غرب إفريقيا، ومكانة محورية للمغرب في أمن الطاقة الأوروبي–الإفريقي. وقد أنجز مراحل دراسات الجدوى/الهندسة ويُنفَّذ على مراحل، متوازيًا مع بنية LNG مغربية قيد التطوير. هذا المسار يقلّص حصرية الغاز الجزائري ويعزّز دوافع أوروبية لدعم حلٍّ سريع ومستقر في الصحراء. 

  • المعادلة رابح–رابح:

- المغرب يرسّخ سيادته عبر تنزيل الحكم الذاتي ويصير عقدة طاقة.


- أوروبا تنوّع مصادرها بعيدًا عن روسيا/الجزائر.


- غرب إفريقيا يحصد مكاسب تنموية وربطًا سوقيًا عابرًا للحدود.


ثامناً: الاعترافات والمواقف الدولية المتراكمة

- الولايات المتحدة: اعتراف 2020 واستمرار خطوط الدعم للمبادرة المغربية. 


- إسبانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وغيرها: دعم صريح للمبادرة باعتبارها “الأكثر جدية/واقعية”—آخرها بلجيكا في أكتوبر 2025—مع احتفاظ مؤسسات الاتحاد الأوروبي بصياغاتٍ قانونية دقيقة تُركّز على إطار الأمم المتحدة. 


- الاتحاد الأوروبي: مواقف حذرة على مستوى المؤسسات بعد أحكام محكمة العدل الأوروبية؛ لكنّ مسارًا تجاريًا جديدًا يُبلور صيغ ووسوم منشأ تُدرج أقاليم الجنوب ضمن ترتيبات تفضيلية مع مراعاةٍ قانونية. 


- قنصليات في العيون/الداخلة: اتسع عددها (عربية وإفريقية) بما يشكّل اعترافًا عمليًا بواقع السيادة المغربية. 


تاسعاً: السيناريوهات المحتملة

أ. المرجّح: مرور القرار الأميركي بدعم غربي وامتناع روسي–صيني. الجزائر/البوليساريو ترفضان لفظيًا، لكن مسار التنزيل الاستثماري–المؤسسي للحكم الذاتي يبدأ بالتدرّج. 

ب. الإيجابي (أفضل حالة للمغرب): تصويت أوسع يشمل موسكو/بكين، وتحوّلات قانونية في واشنطن (تقدّم H.R.4119). هذا يُقصر خيارات الجزائر على حوارٍ بشروطٍ جديدة. 

ج. السلبي (الأضعف احتمالًا): تعطيل بفيتو أو تشدّد مفاجئ—يعني إرجاءً لا انهيارًا للمسار، مع كلفةٍ دعائية واستمرار شدٍّ أعصاب ميداني. (المؤشرات الحالية لا ترجّحه). 


خاتمـــة

نحن أمام نقطة انعطاف: مشروعٌ أميركي يُضيّق زمن التسويف، وزنٌ طاقي جديد للمغرب يدفع أوروبا والغرب نحو حل واقعي، وتعاطٍ روسي–صيني براغماتي يُفضّل الامتناع على الفيتو. في هذا السياق، يبدو ترسيخ الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو السيناريو الأكثر ترجيحًا—تثبيتٌ دوليٌّ متدرّج مع مفاوضات شكلية تحت سقف واضح.

ودرس التاريخ بسيط: لا شيء يقف طويلًا في وجه سنن التطوّر؛ حين تتقاطع السياسة مع الاقتصاد والطاقة والأمن، تُحسَم القضايا المعلّقة بميزان المصالح لا بالشعارات. ومن يفهم لحظة التاريخ، يكتب مستقبل المنطقة.


------ * ------


المراجع المعتمدة في البحث 

Le Monde. “Western Sahara: US goes on offensive at UN to defend autonomy under Moroccan sovereignty.” 29 Oct 2025. 

Atalayar. “The US draft resolution on the Sahara supports the Moroccan autonomy plan… (MINURSO short renewal).” 18 & 28 Oct 2025. 

Yabiladi (EN). “US Draft resolution pushes for Western Sahara settlement with Moroccan autonomy plan.” 24 Oct 2025. 

Assahifa (EN). “U.S. draft… sparks anger from Polisario and Algeria.” 24 Oct 2025. 

Congress.gov. “H.R.4119 — Polisario Front Terrorist Designation Act (119th Congress).” 24 Jun 2025. 

Reuters. “Belgium backs Morocco’s autonomy plan for Western Sahara.” 23 Oct 2025. 

Reuters / MarineLink. “Morocco, Russia renew deal allowing Russian ships to fish in Atlantic waters.” 17 Oct 2025. 

Security Council Report. “Western Sahara – October 2025 Monthly

 Forecast.” 30 Sep 2025. 

EmbassyPages. “Foreign Consulates in Laayoune.” Updated 2025. 

Reuters. “Morocco launches LNG terminal process; Nigeria–Morocco pipeline (6,800 km; ~$25bn).” 23 Apr 2025. 

European Parliament Docs. “Spain’s 2022 position on autonomy as most serious, realistic and credible.” 2022. 

Asharq Al-Awsat. “France reiterates support for Morocco’s Autonomy Plan.” 27 Feb 2024. 

SPS (وكالة البوليساريو). “رفض مشروع القرار الأميركي وخطاب تقرير المصير.” 24–27 Oct 2025.  



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق