(محور استراتيجي ثلاثي يربط الرباط والقاهرة وأبوظبي:
تعاون سياسي واقتصادي وأمني يمتد من المحيط إلى النيل والخليج).
(تقرير تحليلي استراتيجي)
المحور الأول: الإطار الوقائعي ودلالات الشكل الدبلوماسي للقاء
لم تكن القمة الثلاثية التي استضافتها القاهرة مساء الثلاثاء 25 نوفمبر 2025 مجرّد لقاء بروتوكولي عابر بين القادة الثلاثة، بل بدت منذ اللحظة الأولى تحركًا دبلوماسيًا عاجلًا يحمل أجندة استراتيجية تتجاوز نطاق العلاقات الثنائية التقليدية. فقد جمعت هذه القمة ثلاثة فاعلين محوريين في العالم العربي وشمال أفريقيا: ملك المغرب؛ رئيس مصر؛ ورئيس دولة الإمارات.../...
أولًا: توثيق الوقائع وتوقيت القمة
تؤكد المعطيات الإخبارية المتاحة أن الملك محمد السادس وصل إلى القاهرة قادمًا مباشرة من أبوظبي، وأنه كان برفقة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على متن نفس الرحلة. وتم عقد الاجتماع الثلاثي مباشرة بعد الوصول إلى القاهرة، ما يمنح اللقاء طابعًا “مستعجلًا” لا يشبه الزيارات المخطَّطة مسبقًا ذات الطابع البروتوكولي.
- الهدف المعلن للزيارة صيغ في إطار مألوف:
«استمرار التنسيق والتشاور بين الدول الثلاث حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف في المجالات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية».
لكن القراءة الجيوسياسية لسياق الزيارة وطريقة تنظيمها، وكذلك تزامنها مع تحركات دبلوماسية أخرى في القاهرة، تكشف أن جدول الأعمال الفعلي كان أعمق وأكثر حساسية بكثير مما ورد في التصريحات الرسمية الأولية.
ثانيًا: دلالات الطابع “الاستراتيجي” وغياب الطابع البروتوكولي
اتجهت غالبية التحليلات إلى اعتبار القمة استثنائية وغير تقليدية، وهو توصيف يستند إلى عنصرين رئيسيين:
1. سرعة الإنجاز والإلحاح الزمني
عقد الاجتماع “مباشرة بعد الوصول” مؤشر واضح على أن أجندة القمة تحمل ملفات عاجلة لا تحتمل التأجيل، وأن هناك حاجة إلى اتخاذ قرارات أو تثبيت تفاهمات على أعلى مستوى، في زمن قصير وبشكل مباشر. كما أن وصف الزيارة في أكثر من تعليق بأنها “مفاجئة” يؤكد أن التحضير لها تم في قنوات مغلقة وبعيدًا عن الأضواء، على عكس الزيارات العادية التي تُعلن في وقت مبكر.
2. التكتم الرسمي وغياب التفاصيل
رغم الزخم السياسي والإعلامي الذي رافق القمة، فإن البيانات الرسمية بقيت عامة للغاية، ولم يُفصح عن مضمون الملفات التي نوقشت، واكتفى المتابعون بانتظار “البيانات اللاحقة” التي قد تكشف عن النتائج. هذا التكتم يتناسب عادة مع الملفات ذات الطبيعة الأمنية أو السيادية، حيث تكون السرية جزءًا من آلية التفاوض نفسها.
ثالثًا: دلالة السفر المشترك لمحمد بن زايد ومحمد السادس
يُعدّ سفر رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة برفقة ملك المغرب إلى القاهرة، على متن رحلة واحدة، مؤشرًا دبلوماسيًا غير مألوف، ويحمل ثلاث دلالات رئيسية:
1. توحيد الموقف قبل الدخول إلى القاهرة
وصول القائدين معًا يعني أن الأجندة التي يحملانها في لقائهما مع الرئيس السيسي، هي أجندة منسَّقة ومتفق عليها مسبقًا بين الرباط وأبوظبي. وهذا يعكس مستوى متقدمًا من “متانة العلاقات الاستراتيجية” بين البلدين، وتحالفًا سياسيًا واقتصاديًا يراد له أن يتحرك ككتلة واحدة تجاه الطرف الثالث (مصر).
2. الغطاء السياسي والمالي
يشكل حضور الشيخ محمد بن زايد إلى جانب الملك محمد السادس غطاءً سياسيًا وماليًا ثقيل الوزن، خاصة إذا كانت النقاشات تتعلق بملفات سيادية أو حساسة (مثل قضية الصحراء أو ملفات الطاقة والاستثمار الأفريقي). في هذه الحالة، تتحول الإمارات إلى “ضامن” للأجندة المغربية، بما تملكه من نفوذ مالي واستثماري كبير في مصر، يصعب تجاهله.
3. بناء محور إقليمي جديد
في ضوء الدور الإماراتي كأكبر داعم مالي لمصر خلال العقد الماضي، ومع تعاظم الاستثمارات الإماراتية في المغرب، يمكن قراءة هذا الترتيب كإعلان عملي عن محور إقليمي جديد، تلعب فيه أبوظبي دور “المحرِّك والوسيط” بين القاهرة والرباط، بهدف تشكيل تكتل استراتيجي متجانس في شمال أفريقيا والشرق العربي معًا.
المحور الثاني: السياق الجيوسياسي الحساس ومحركات القمة العميقة
انعقدت القمة في ظرف إقليمي مضطرب، يتسم بتسارع التحولات وارتفاع منسوب المخاطر الأمنية والاقتصادية، ما يفسر الحاجة إلى تنسيق ثلاثي عالي المستوى.
أولًا: المشهد الإقليمي الضاغط
من بين أهم عناصر السياق التي أحاطت بالقمة:
• تداعيات أزمة غزة واحتمالات توسع المواجهة:
استمرار التصعيد في غزة، واحتمالات تحول المواجهة إلى “حرب أوسع”، بما تحمله من مخاطر على استقرار مصر ودول الجوار، وعلى توازنات القوى في المنطقة.
• هشاشة الوضع في ليبيا والسودان ومنطقة الساحل:
الاضطرابات المستمرة في ليبيا والسودان، وتدهور الوضع الأمني في الساحل الأفريقي، وهي مناطق لها ارتباط مباشر بالأمن القومي لكل من مصر والمغرب، ولها كذلك أثر على المصالح الاقتصادية الإماراتية في أفريقيا.
• التنافس الجيواقتصادي على الطاقة والممرات
اشتداد السباق الإقليمي والدولي على موارد الطاقة، والممرات البحرية، والأسواق الأفريقية الصاعدة، بما يجعل التنسيق الاقتصادي والأمني بين هذه الدول الثلاث ضرورة وليس خيارًا ترفيهيًا.
ثانيًا: محور “الاعتدال” (G3) ككتلة موازنة
يمكن النظر إلى القمة كخطوة في مسار تشكُّل محور إقليمي لـ “الاعتدال والبراغماتية”، يضم:
• الإمارات: بثقلها المالي والاستثماري وقدرتها على التمويل؛
• مصر: بثقلها السكاني والعسكري وتموضعها الجغرافي الحاسم؛
• المغرب: بامتداده الأفريقي والأطلسي ورصيده الدبلوماسي الواسع.
هذا المحور يسعى إلى تقديم نموذج بديل عن الاصطفافات الراديكالية أو الأيديولوجية، ويرتكز على إدارة الأزمات بمنطق “الحسابات الباردة” والمصالح الاقتصادية طويلة الأمد، مع الحفاظ على الحد الأدنى من التوازن الإقليمي.
ثالثًا: الدور الإماراتي كحلقة ربط جيواقتصادي
تلعب الإمارات دور “المُيسِّر الجيواقتصادي” بين مصر والمغرب، للأسباب التالية:
• هي الممول الرئيسي لاستقرار النظام المصري بعد 2013، بمساعدات واستثمارات تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات؛
• وهي شريك استراتيجي للمغرب في مشاريع الطاقة والبنية التحتية، وخاصة في مجالات الطاقة المتجددة والموانئ؛
• وهي ترى في كل من مصر والمغرب بوابتين مكمِّلتين:
- مصر: بوابة للشرق الأفريقي والبحر الأحمر وقناة السويس؛
- المغرب: بوابة لغرب أفريقيا وواجهة أطلسية على أوروبا والأمريكيتين.
من هنا تسعى أبوظبي إلى ربط هاتين البوابتين ضمن شبكة لوجستية واستثمارية متكاملة تحمي مصالحها طويلة الأجل في القارة الأفريقية، وتمنحها موقع “اللاعب المهيمن” في صياغة الترتيبات الاقتصادية والأمنية بالمنطقة.
المحور الثالث: الأجندة الاقتصادية والطاقية – تحالف البوابات الأفريقية
تُعتبر الأجندة الاقتصادية والطاقية الركيزة الأكثر وزنًا في القمة، وإن ظلت في الخلفية بعيدًا عن التصريحات المباشرة.
أولًا: المغرب ومصر كمنصتين للاستثمار الإماراتي في أفريقيا
تعوِّل الإمارات على:
• المغرب: كعمق أطلسي ودبلوماسي في غرب أفريقيا، وكمركز محتمل لعبور الطاقة المتجددة (الهيدروجين الأخضر) نحو أوروبا؛
• مصر: كمركز إقليمي للطاقة التقليدية والغاز، وممر أساسي إلى أوروبا عبر خطوط الغاز ومحطات التسييل وقناة السويس، فضلًا عن علاقاتها مع شرق أفريقيا والقرن الأفريقي.
هذا الترتيب يهدف إلى بناء سلسلة قيمة اقتصادية تمتد من الإنتاج في المغرب (الهيدروجين الأخضر)، مرورًا بمعالجة وتسييل الطاقة في مصر، وصولًا إلى أسواق أوروبا، بتمويل واستثمار إماراتي كثيف.
ثانيًا: مشاريع الطاقة المتجددة – حالة الهيدروجين الأخضر
يبرز في هذا السياق:
• مشروع إماراتي–مغربي ضخم لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا في منطقة الداخلة، تُقدَّر قيمته بحوالي 25 مليار دولار؛
• تموضع مصر كمركز لتسييل الغاز وتصدير الطاقة، إضافة إلى مشاريع الربط الكهربائي مع أوروبا (مثل الربط مع اليونان).
التكامل المنشود يتمثل في:
• المغرب: قاعدة إنتاج الطاقة النظيفة؛
• مصر: قاعدة التسييل والتصدير عبر المتوسط؛
• الإمارات: الممول والمستثمر والمسوِّق الاستراتيجي لهذا المحور الطاقي.
بهذا الترتيب، يتحول الثلاثي إلى لاعب رئيسي في سباق الطاقة النظيفة نحو أوروبا، في مواجهة منافسين مثل الجزائر أو تركيا أو حتى بعض دول شرق المتوسط.
ثالثًا: تقاطع المصالح الاقتصادية والطاقية (سرد تحليلي)
يمكن تلخيص تقاطع المصالح كما يلي:
• المغرب: يبحث عن تثبيت موقعه كعمق أطلسي وأفريقي للاستثمار الإماراتي، وضمان التمويل طويل الأمد لمشاريع الهيدروجين والطاقة المتجددة؛
• مصر: تسعى إلى تأمين استثمارات جديدة تعزز بنيتها التحتية للطاقة والنقل واللوجستيك، وتدعم استقرارها المالي والغذائي؛
• الإمارات: تعمل على بناء شبكة نفوذ جيواقتصادي تمتد من الخليج إلى الأطلسي، عبر استحواذات استراتيجية في مشاريع الطاقة والبنية التحتية، بما يضمن لها موقعًا متقدمًا في أسواق الطاقة العالمية القادمة.
المحور الرابع: ملفات الأمن الإقليمي والسيادة – تنسيق المواقف الصعبة
القمة لم تكن اقتصادية فقط؛ بل حملت في عمقها ملفات سيادية وأمنية حساسة.
أولًا: غزة والتصعيد الإقليمي
انعقدت القمة في ظل:
• استمرار الحرب في غزة؛
• مخاوف من اتساع رقعة الصراع؛
• الحاجة إلى ممر آمن ومستدام للمساعدات الإنسانية، وهنا يبرز الدور المغربي والمصري المحوري.
في هذا السياق:
• تمثّل مصر الممر الرئيسي للمساعدات والوساطة؛
• يمثّل المغرب غطاءً سياسيًا ودينيًا بحكم رئاسته للجنة القدس، بالإضافة لما يقدمه من مساعدات غذائية وطبية متواصلة لقطاع غزة؛
• تقدّم الإمارات الدعم المالي والإنساني بكثافة.
التنسيق بين هذه الأدوار الثلاثة يمنح المحور قدرة على الظهور كـ “مظلّة الاعتدال” القادرة على إدارة الأزمة إنسانيًا وسياسيًا، ضمن حدود ما تسمح به ميزان القوى الدولي.
ثانيًا: الملف السيادي المغربي – قضية الصحراء والموقف المصري
ظلّ الموقف المصري من قضية الصحراء الغربية لعقود يتراوح بين الحياد الحذر والصمت المتحفّظ، مراعاةً للعلاقة الاستراتيجية مع الجزائر، الشريك المهم في ملف الطاقة.
الآن، وفي ظل:
• حضور الملك محمد السادس برفقة محمد بن زايد؛
• حجم النفوذ المالي الإماراتي في مصر؛
• حاجة القاهرة إلى استمرار هذا الدعم؛
يمكن الافتراض أن الرباط سعت، بدعم إماراتي واضح، إلى دفع القاهرة نحو:
• إما تبنّي موقف أكثر وضوحًا في دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي؛
• أو على الأقل، التزام “حياد غير ضارّ” بالملف المغربي، والتخلي عن أي تنسيق يمكن أن يُقرأ على أنه منحاز للموقف الجزائري.
نجاح هذا المسعى يعني تحقيق ما يمكن تسميته بـ “الانسجام الكلي” بين القاهرة والرباط في الملف السيادي المغربي، وهو اختراق استراتيجي كبير في شمال أفريقيا، ستكون له انعكاسات مباشرة على موازين القوى مع الجزائر.
ثالثًا: التنسيق الأمني الأوسع
إلى جانب غزة والصحراء:
• يوجد تنسيق أمني قائم مسبقًا بين المغرب ومصر، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب؛
• وتواجه الدول الثلاث تحديات متشابكة في الساحل الأفريقي والقرن الأفريقي؛
• كما أن حماية الاستثمارات الإماراتية والمشاريع المشتركة في القارة تتطلب مستوى أعلى من تبادل المعلومات والتنسيق الأمني والعسكري.
من هنا، يمكن اعتبار القمة بمثابة خطوة نحو تشكيل “مظلّة أمنية” غير معلنة لحماية مصالح المحور في أفريقيا والشرق الأوسط، دون الإعلان عن ترتيبات دفاعية رسمية.
المحور الخامس: التقييم الاستراتيجي ومستقبل الشراكة الثلاثية
أولًا: لماذا يمكن القول إن القمة “قد تغيّر جيوسياسة المنطقة”؟
يمكن تلخيص عناصر التأثير في:
1. الانتقال من الثنائي إلى الثلاثي
لم تعد العلاقات محصورة في قنوات ثنائية: (مصر–الإمارات، الإمارات–المغرب، المغرب–مصر)، بل أخذت شكل كتلة ثلاثية منسّقة، ما يعطيها وزنًا سياسيًا واقتصاديًا أكبر في مواجهة المحاور الأخرى (الجزائر–قطر، تركيا–قطر، إلخ).
2. تكامل الجغرافيا والقوة
• الإمارات: المال والاستثمار؛
• مصر: السكان والجيش والموقع؛
• المغرب: العمق الأطلسي والأفريقي والدبلوماسي (العلاقات المميزة مع أمريكا - أوروبا - وإسرائيل).
هذا التكامل، إذا تمأسس في آليات عمل دائمة، يمكن أن يحوّل المحور إلى “قاطرة اعتدال” فعلية في المنطقة.
3. إعادة ترتيب موازين الشمال الأفريقي
إذا نجح المحور في تثبيت موقف مصري منسجم مع المغرب في ملف الصحراء، فهذا يضعف هامش المناورة الجزائرية في أفريقيا وأوروبا، ويفتح الباب أمام ترتيبات جديدة في غرب المتوسط والساحل.
ثانيًا: التحديات التي تواجه المحور
رغم قوة هذا التشكيل، يواجه عدة عقبات:
• حساسية الجزائر من أي محور يُقرأ على أنه موجّه ضدها؛
• هشاشة الالتزام المصري في الملفات السيادية المغربية، بحكم توازناتها مع الجزائر؛
• مخاطر “التبعية الاقتصادية” للقوة المالية الإماراتية، ما قد يخلق حساسيات داخلية في الرباط والقاهرة.
ثالثًا: توصيات استشرافية
1. تمأسس التعاون
الانتقال من قمم ظرفية إلى مجلس تنسيقي ثلاثي دائم، يجتمع على مستوى القمة مرة سنويًا، وعلى مستوى الوزراء بشكل دوري.
2. تعميق البعد الأفريقي
التوجّه إلى استثمارات ثلاثية مشتركة في الساحل وغرب أفريقيا، تربط الأمن بالتنمية، وتقلل من مخاطر الهجرة غير النظامية والإرهاب.
3. توحيد الخطاب الدبلوماسي
تنسيق المواقف في المحافل الدولية (جامعة الدول العربية، الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة) في القضايا الكبرى: غزة، الصحراء، الأمن الغذائي، الإرهاب.
ملخص الأبعاد غير المعلنة (ثلاثة محاور)
1. البعد السيادي
استخدام الثقل الإماراتي المالي والدبلوماسي للضغط في اتجاه ضمان موقف مصري أكثر انسجامًا مع الطرح المغربي في ملف الصحراء (دعم أو حياد غير ضار)، بما يضعف الموقف الجزائري ويعزز موقع الرباط.
2. البعد الاقتصادي–الطاقي
تشييد “عمود فقري” اقتصادي يربط الداخلة (إنتاج الهيدروجين) عبر مصر (التسييل والتصدير) إلى أوروبا، بتمويل إماراتي، بما يمنح المحور نفوذًا تفاوضيًا طويل الأمد مع الشركاء الأوروبيين من موقع قوة.
3. البعد الأمني
بلورة استراتيجية مشتركة لإدارة تداعيات حرب غزة، وتأمين خطوط الإمداد والاستثمار في أفريقيا، وتكريس المحور كقوة اعتدال قادرة على لعب دور “صمام الأمان” في الإقليم.
تقرير الخبراء: القمم المتزامنة في القاهرة (نوفمبر 2025):
- الدبلوماسية الاقتصادية، التنافس الإقليمي، والسباق نحو المقعد الأفريقي الدائم في مجلس الأمن.
I. الملخص التنفيذي والسياق العام
شهدت القاهرة في نوفمبر 2025 حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا تمثل في:
• زيارة الوزير الأول الجزائري؛
• تليها مباشرة القمة الثلاثية بين المغرب ومصر والإمارات.
يهدف هذا الجزء من التقرير إلى:
• تحليل دلالات هذا التزامن الزمني؛
• فهم طبيعة التنافس الجيواقتصادي في أفريقيا؛
• واستكشاف احتمالات التنسيق حول ملف المقعد الأفريقي الدائم في مجلس الأمن.
الخلاصة المركزية:
• الزيارة الجزائرية كانت مؤسساتية مُبرمجة، في إطار اللجنة العليا المشتركة؛
• بينما حملت القمة الثلاثية المستعجلة طابعًا استراتيجيًا لتشكيل محور استثماري–سياسي؛
• ومن المرجح أن ملف إصلاح مجلس الأمن والتمثيل الأفريقي الدائم كان حاضرًا في خلفية المحادثات بين القاهرة والرباط، إلى جانب الملفات الاقتصادية.
II. المسار الدبلوماسي في القاهرة: موازنة مصر بين المحاور
1. الزيارة الجزائرية–المصرية (24–25 نوفمبر 2025)
أُجريت الدورة التاسعة للجنة العليا الجزائرية–المصرية المشتركة بحضور:
• الوزير الأول الجزائري سيفي غريب على رأس وفد وزاري رفيع؛
• رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي؛
• لقاء سياسي مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
طبيعة الزيارة:
• توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات: المالية، الصناعة، الطاقة، الفلاحة؛
• تأكيد عمق العلاقات التاريخية؛
• إبراز دور الجزائر خلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، خاصة في الدفاع عن القضية الفلسطينية (نظريا).
الدلالة السياسية:
• تثبيت الشراكة الاستراتيجية؛
• وتأكيد أن القاهرة حريصة على عدم التفريط في علاقتها بالجزائر، رغم تقاربها المتزايد مع الرباط وأبوظبي.
2. سياسة الموازنة المصرية
التتابع الزمني:
• 24–25 نوفمبر: زيارة رسمية جزائرية؛
• مساء 25 نوفمبر: قمة ثلاثية مغربية–إماراتية–مصرية.
هذا التتابع ليس عشوائيًا، بل يمكن قراءته كالتالي:
• القاهرة ترسل رسالة بأنها قادرة على استقبال “محورين متنافسين” دون الانحياز الظاهر لأي منهما؛
• وتؤكد أنها مركز ثقل يمكن للجميع الاقتراب منه، لكنها لا تُدمَج بالكامل في تحالف ضد آخر؛
• ما يعزز قدرتها على تعظيم مكاسبها من التنافس الإقليمي.
3. سرد زمني تحليلي (نوفمبر 2025)
• 24–25 نوفمبر: الجزائر–مصر
هدف معلن: اللجنة العليا المشتركة؛
دلالة: عرض قوة العلاقات مع الجزائر قبل استقبال محور المغرب–الإمارات.
• 25 نوفمبر وما بعده: المغرب–الإمارات–مصر
هدف معلن: تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي؛
دلالة: تفعيل تكتل استثماري–سياسي، مع الاحتفاظ بسياسة التوازن.
III. التنافس الجيواقتصادي في أفريقيا: قطر، المغرب، والإمارات
1. الاستراتيجية المغربية في أفريقيا
يعتمد المغرب على:
• الدبلوماسية الاقتصادية؛
• مشاريع الطاقة المتجددة؛
• البنية التحتية (موانئ، طرق، ربط أطلسي–أفريقي).
النتيجة:
• حضور استثماري متزايد؛
• وتحويل المكاسب الاقتصادية إلى أوراق ضغط دبلوماسية؛
• خاصة في ملف الصحراء وفي السباق على الريادة الإقليمية في غرب أفريقيا.
2. قطر: منافس أم هدف للحصار؟
• تشارك قطر عبر غرفة التجارة والصناعة في قمم الاستثمار العربي–الأفريقي في القاهرة؛
• وتحتفظ بعلاقات اقتصادية مع مصر رغم التنافس الإقليمي مع الإمارات؛
• ما يعني أن القاهرة لا تنخرط في استراتيجية “عزل قطري” اقتصادي.
القمة الثلاثية لا تهدف إلى “قطع الطريق” على الاستثمار القطري بقدر ما تهدف إلى:
• تقديم نموذج بديل، أكثر تكاملًا، تقوده الإمارات ماليًا والمغرب ميدانيًا؛
• وتحويل التنافس إلى منافسة هيكلية، بدلًا من منطق الحصار والإقصاء.
3. القاهرة كـ “Capital Hub”
من خلال استضافة:
• وفد جزائري؛
• وقمة ثلاثية مع الإمارات والمغرب؛
• ونشاط قطري موازٍ في قمة الاستثمار العربي–الأفريقي؛
تتموضع القاهرة كمركز لاستقبال رؤوس الأموال المتنافسة:
• تستفيد من الجميع؛
• وتُحوِّل تناقضات المحاور إلى مصادر تمويل لمشاريعها الداخلية.
IV. المقعد الأفريقي الدائم في مجلس الأمن: التنسيق أم التنافس؟
1. الإطار القاري
• “توافق إيزولويني” يطالب بمقعدين دائمين لأفريقيا في مجلس الأمن؛
• مع دعم دولي متزايد لفكرة الإصلاح (أمريكا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا…)، مع تحفّظ على منح حق النقض؛
• ما يجعل المقعد “رمزيًا ثقيلًا”، لكنه بدون فيتو، وبالتالي دون قوة حقيقية مكافئة للأعضاء الخمسة الحاليين.
2. خريطة المنافسة داخل أفريقيا
• الكتلة الجنوبية–الغربية: نيجيريا، جنوب أفريقيا؛
• الكتلة الشمالية: مصر، المغرب، إضافة إلى الجزائر وكينيا كفاعلين محتملين.
تحدي الشمال الأفريقي:
• تجنب “تبديد الأصوات” بين مصر والمغرب والجزائر؛
• والعمل – إن أمكن – على تقديم مرشح متوافق عليه يمثل الشمال.
. ويبقى الدعم الدولي ورقة الحسم النهائية.
3. احتمالات التنسيق المغربي–المصري
المنطق الاستراتيجي يقول:
• إذا ذهب أحد المقعدين للجنوب/الغرب (جنوب أفريقيا/نيجيريا)، يبقى مقعد محتمل للشمال/الشرق؛
• وهذا المقعد سيكون محل تنافس بين مصر والمغرب (وربما الجزائر وإن كان حظها ضعيفا)؛
• لذا، يصبح التنسيق بين الرباط والقاهرة ضرورة، لا ترفًا.
سيناريوهات التنسيق المحتمل:
• توافق على مرشح واحد من الشمال؛
• أو البحث عن صيغة تناوب زمنية أو توزيع أدوار (دعم متبادل في هيئات أخرى مقابل دعم أحدهما في مجلس الأمن).
V. النتائج الاستراتيجية والتوصيات
1. نتائج مستخلصة
• بروز محور جيواقتصادي جديد (المغرب–مصر–الإمارات) في أفريقيا؛
• تأكيد دور القاهرة كموازن بين المحاور (الجزائر من جهة، والمغرب–الإمارات من جهة أخرى)؛
• بروز ملف مجلس الأمن كأحد الملفات العميقة في الحوار المغربي–المصري، إلى جانب الطاقة والأمن.
2. توصيات متابعة
• مراقبة أي تصريحات مشتركة مغربية–مصرية بشأن إصلاح مجلس الأمن؛
• تقييم أثر المشاريع الاستثمارية الثلاثية في أفريقيا على التوازن مع الاستثمارات القطرية أو الجزائرية؛
• دراسة تداعيات قبول مقعد دائم بلا فيتو، على مكانة أفريقيا في منظومة الحوكمة العالمية.
ملخص الأبعاد الثلاثة (إعادة تأكيد)
• الضغط السيادي: ضمان تحول الموقف المصري في الصحراء لصالح المغرب أو على الأقل تحييده؛
• التكامل الاقتصادي: بناء محور طاقي–لوجستي يربط الداخلة بالمتوسط وأوروبا عبر مصر؛
• التنسيق الأمني: صياغة استراتيجية اعتدال لإدارة أزمات غزة والساحل والأمن الإقليمي.
تقرير تحليلي: المملكة العربية السعودية في معترك التنافس الأفريقي
I. الملخص التنفيذي
يرد هذا التقرير على سؤال شائع:
- هل تم “استبعاد” السعودية من أفريقيا، أو تهميشها في التحالفات الإقليمية الجديدة؟
الجواب التحليلي:
• السعودية ليست مستبعدة من أفريقيا؛ بل تعيد تشكيل نموذج نفوذها في القارة؛
• تعتمد على رؤية 2030 وصندوق الاستثمارات العامة (PIF) لبناء نفوذ اقتصادي “مُمأسس”؛
• في المقابل، فإن غيابها عن قمم إقليمية تضم الإمارات (مثل القمة الثلاثية في القاهرة) يعكس “امتناعًا استراتيجيًا” مرتبطًا بالتنافس الهيكلي مع أبوظبي على الزعامة الاقتصادية الإقليمية.
II. الاستراتيجية السعودية في أفريقيا: من “الاستغلال” إلى “التحول الهيكلي”
1. صندوق الاستثمارات العامة ورؤية 2030
• يركز برنامج PIF 2021–2025 على ركيزة “الاقتصاد المزدهر”؛
• الأمن الغذائي أولوية مركزية:
• تنويع مصادر الإمداد؛
• استثمار الأراضي الزراعية الأفريقية؛
• تاريخيًا، استثمرت السعودية نحو 2 مليون هكتار في أفريقيا جنوب الصحراء (السودان، إثيوبيا…).
2. من “Land Grabbing” إلى الشرعنة التنموية
• تحاول الرياض اليوم تجاوز صورة “الاستيلاء على الأراضي”؛
• عبر العمل مع البنك الأفريقي للتنمية على مشاريع تحويلية:
• تنمية زراعية؛
• بنية تحتية؛
• برامج غذاء مستدامة.
3. التوسع في القطاعات غير السلعية
• الاستثمار الجريء (Venture Capital) في السعودية حقق قفزة نوعية؛
• هذا يسمح بتصدير نموذج استثمارات جديدة إلى أفريقيا:
• تقنيات مالية؛
• سياحة؛
• تعليم؛
• ما يفتح جبهة تنافس جديدة مع الإمارات في القطاع الخدمي والمالي.
III. التنافس السعودي–الإماراتي: تدهور تحالف وتشكُّل تنافس هيكلي
1. تصدعات جيوسياسية
• خلافات متكررة حول:
• حصص إنتاج النفط (أوبك+)؛
• إدارة حرب اليمن؛
• التطبيع والعلاقات مع تركيا؛
النتيجة:
• تحوّل من “تحالف متقارب” إلى “تنافس على الزعامة الإقليمية”.
2. حرب المراكز الاقتصادية
• السعودية تسعى لفرض الرياض مركزًا إقليميًا بدل دبي؛
• أدوات ذلك:
• إلزام الشركات بنقل مقارها الإقليمية؛
• تعديل قواعد الاستيراد لاستهداف نموذج إعادة التصدير عبر المناطق الحرة.
3. تسليح الاعتماد المتبادل
• مثال: قرار السعودية في يوليو 2021 بتعليق السفر من وإلى الإمارات؛
• أثره: ضرب مباشر لقطاع السياحة والخدمات في دبي، حيث يشكل السعوديون نصف الزوار الخليجيين تقريبًا؛
• هذا نموذج لـ “Weaponization of Interdependence”: استخدام الأدوات التنظيمية لإعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية.
4. أفريقيا كساحة مواجهة بالوكالة
• التنافس يمتد إلى:
• الموانئ؛
• الممرات البحرية؛
• المشاريع الكبرى في ميناء ومضيق ومرافئ مختلفة؛
• ما يجعل الدول الأفريقية طرفًا مستفيدًا من مزايدة النفوذ، لكن مع ارتفاع كلفة عدم اليقين في بيئة الاستثمار.
IV. تفسير غياب السعودية عن قمة القاهرة الثلاثية: “امتناع استراتيجي”
1. رفض شرعنة محور تقوده الإمارات
• حضور الرياض لقمة تقودها أبوظبي، وتضم المغرب ومصر، كان سيُقرأ كاعتراف بدور الإمارات كقائد لمحور أفريقي–عربي جديد؛
• في ظل التنافس الحالي، اختارت الرياض الغياب لتجنّب منحة هذا “الاعتراف المجاني”.
2. توتر مع الرباط
• مشاريع سعودية–إماراتية في موريتانيا (ميناء ومنشآت على الأطلسي) اعتُبرت في الرباط منافسة لمشاريع الداخلة وطنجة؛
• هذا خلق شعورًا مغربيًا بـ “التهميش” من جانب الرياض؛
• تصريحات ناصر بوريطة حول السيادة والمعاملة بالمثل و”البحث عن بدائل” تعكس عمق الخلاف المغربي - السعودي في المجال الجيوسياسي والجيواستراتيجي الإفريقي.
3. تفضيل الثنائية المكثفة
• الرياض تفضّل التعامل الثنائي المباشر مع الدول الأفريقية ومع المغرب ومصر مستقبلًا؛
• عبر أدواتها السيادية (PIF) بدل الدخول في محاور تقودها الإمارات؛
• ما يسمح لها بهامش تحكم أكبر في شروط الشراكة.
V. التنافس على النفوذ الأفريقي: الموانئ، الممرات، وتآكل التحالفات
1. الصراع على الموانئ
• الإمارات توسّع حضورها في موانئ القرن الأفريقي والساحل؛
• السعودية تعتبر أن ذلك يمس نفوذها في البحر الأحمر وباب المندب؛
• السباق امتد حتى الأطلسي (موريتانيا، مشاريع موانئ منافسة للمغرب).
2. تآكل التحالفات التقليدية
• العلاقات: المغرب–الخليج لم تعد كما كانت؛
• شعور الرباط بأن الرياض لم تعد تتعامل بمنطق “الشراكة الندية”؛
• ما دفع المغرب إلى التقرب أكثر من أبوظبي، وإلى إرسال رسائل واضحة حول سيادته وحقه في “البحث عن بدائل”.
3. كلفة تفتيت التحالفات
• على الرياض الآن أن تدفع ثمنًا أكبر لإعادة بناء الثقة مع حلفاء تقليديين؛
• وعلى الدول الأفريقية أن تحسب تكلفة الانخراط في مشاريع قد تصبح رهينة تنافس خليجي–خليجي.
VI. الخلاصة والتوصيات
1. الخلاصة:
• السعودية ليست غائبة عن أفريقيا، بل تعيد بناء نفوذها عبر رؤية 2030 وPIF؛
• الإمارات تتحرك عبر محاور إقليمية واستثمارية واسعة (مثل محور المغرب–مصر)؛
• التنافس بينهما هو عامل هيكلي جديد يعيد رسم خرائط التحالف في الشرق الأوسط وأفريقيا.
2. التوصيات:
1. للسعودية:
• تعميق الشراكات مع مؤسسات التنمية الأفريقية (AfDB)؛
• توسيع الحضور في القطاعات غير السلعية (التقنية، الخدمات المالية)؛
• إعادة تقييم التعامل مع حلفاء الشمال الأفريقي (المغرب خصوصًا) بمنطق المعاملة بالمثل واحترام السيادة.
2. للدول الأفريقية وشمال أفريقيا:
• استغلال التنافس السعودي–الإماراتي لتعظيم مكاسبها التنموية؛
• مع الحذر من تحوّل مشاريعها الاستراتيجية إلى “أصول متنازع عليها” بين قوتين متنافستين؛
• وفرض قواعد شفافة تمنع تسليح الاعتماد الاقتصادي ضد مصالحها الوطنية.
في الختام يبقى موقف وموقع إسرائيل من هذه التحالفات حاسما، الأمر الذي يخدم التحالف التلاثي: المغربي - الإيماراتي - المصري لأسباب يطول شرحها، قد نعود إليها في تقرير تحليلي لاحق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق