جيل Z المغربي: بين الكمون والانفجار

 

(قراءة في الأسباب والديناميات والسيناريوهات العملية)

دراسة تحليلية معمّقة: الخلفيات التاريخية، المقارنات الدولية، الاقتصاد السياسي، والسيناريوهات المستقبلية.

تمهيد: ما بعد الصخب… بداية الفهم

عاد الهدوء إلى الشارع، لكنّه هدوءٌ مُفكِّر لا “نهاية قصة”. فالشروط البنيوية التي أنجبت موجة احتجاجات جيل Z لم تتغيّر تغيّرًا جوهريًا: فجوةٌ بين الطموح والواقع، أزمة ثقة في وسائط التمثيل، اقتصاد امتيازات يلتهم المساواة، وإحساسٌ عام بأن “القواعد” هي المشكلة لا “اللاعبون”. جيل Z لم يختفِ؛ انخفض صوته في الساحات وارتفع في العقول: ليست "استراحة محارب" كما يحلو للبعض وصفها، ولا "أسبوع مشمش" فات وانقضى كما يقول بعض المتطفلين على التحليل السياسي، بل كُمونٌ تنظيمي، تراكم معرفة، تعديل في الخطط، بناء شبكات محليّة، وتعلّم من أخطاء الجولة الأولى للانطلاق بعزم وثبات نحو المستقبل.../...


أولاً: سيرة موجزة للغضب المغربي — من الشارع إلى الوعي

ليس جيل Z استثناءً من تاريخ المغرب الاجتماعي-السياسي؛ إنّه حلقةٌ جديدة في سلسلة طويلة:

ستينيات–ثمانينيات القرن الماضي: انتفاضات متفرّقة (غلاء المعيشة، “شهداء كوميرا”، مركزية الدار البيضاء، فاس، مراكش …) عبّرت عن انفصالٍ بين السياسات والعدالة الاجتماعية. كانت حركات مطالب معيشية أكثر منها إعادة تصميم لقواعد الحكم.

التسعينيات–الألفية: دخول لغة “الإصلاح” المؤسساتي (هيئات إنصاف، ميثاق تربية وتكوين، تعددية حزبية أوسع)، لكنّ منظومة الريع و”التعيين السياسي من فوق” ظلّا يحدّان أثر المشاركة.

2011 (حركة 20 فبراير): لحظة تأسيسية في الوعي الجمعي للمغاربة؛ رفعت سقف الحديث عن الملكية البرلمانية، فصل السلطات، محاربة الفساد. خرجت من الشارع مكاسب دستورية وخطابية، لكن التنفيذ تعثّر: استُجيب للشعار ولم تتغيّر القواعد.

جيل (Z) القادم من المستقبل: لا يكتفي كمرحلة أولى باستبدال وجوهٍ بوجوه؛ يطالب بتعديل قواعد اللعبة نفسها: سلطة تنفيذية مُنتخبة تُحاسَب، قضاء مستقل فعليًا، إعلام عمومي تعدّدي، اقتصاد فرص لا امتيازات، ويتطلع لنقل المغرب من الملكية التنفيذية إلى الملكية البرلمانية لتكتمل مطالب الشارع التي رفعت في 20 فبراير 2011.

  • الخلاصة التاريخية: كلّ موجة رفعت السقف خطوة، لكن “العُقدة” بقيت عند تقاطع السلطة والمال والإعلام. جيل Z يعيد طرح العقدة من جذورها: الدولة القوية لا تُبنى على السيطرة، بل على المشروعية والمحاسبة.


ثانياً: لماذا جيل Z مختلف نوعيًا؟

- اجتماعيًا: نشأ في عالم رقمي ينتمي للمستقبل وعابر للحدود؛ يقيس الخطابات بميزان الفعالية التنفيذية لا البلاهة البلاغية. لا يخاف من كشف التناقضات؛ يصنع إعلامه البديل في هاتفه ليُسمع الدنيا أنشودة الفجر الجديد.

 - سياسيًا: لا “زعامة كاريزمية” تقوده؛ شبكات مرنة متعددة المراكز والمهام، تنشط كخلايا نحل مستقلة، تجعل الإطفاء الأمني الشامل صعبًا، والاختراق أقل أثرًا وإن حدث. وكل من يروّج له استنادا إلى ظاهرة الكمون الظرفي الحاصل الان لا يفهم سر اللعبة.

- ثقافيًا: حساسية عالية تجاه الكرامة الفردية، المساواة، شفافيات المال العام، والعدالة الإجرائية (من يحدد الأولويات؟ كيف تُتّخذ القرارات؟ كيف تُصرف الأموال؟).

- اقتصاديًا: يواجه سوق عمل أضيق من طموحه التعليمي، وبيئة أعمال تعاقب من لا يملك شبكة علاقات. يريد قواعد شفافة وعادلة قبل أن يطالب بفرص.

هذه العناصر تجعل أي قراءة تقليدية للحراك (كمجرد “فورة شبابية مؤقتة”) مُضلِّلة؛ نحن أمام تحوّل قيمي في معنى المواطنة. وهذا ما لم يفهمه بعض المتطفلين على الإعلام.


ثالثاً: الاقتصاد السياسي للأزمة 

 أين يوجعنا بالضبط؟

- اقتصاد الامتيازات: قطاعات محميّة، رخص نادرة، تركّز صفقات عمومية في أيدي قلة؛ هذا يخلق ريوعًا تضغط على المنافسة والابتكار.

- ضرائب بثغرات: العبء النسبي أعلى على الفئات المتوسطة والصغرى، مع ضعف التحصيل من بعض الأنشطة الكبرى وتلوّن قنوات التهرّب.

- تعليم بعيد عن التكيّف: فجوة مهارات بين ما تُدرّسه المؤسسات وما يطلبه الاقتصاد الرقمي والطاقي والخدمات المتقدمة، الأمر الذي ينتج رعية عاطلة بدل مواطنين نشطين.

- سوق شغل مُجزّأ: قطاع غير مُهيكل ضخم يمتصّ الطاقة الشابة بثمن الكرامة الاجتماعية (لا حماية، لا أجر كريم، لا تأمين). قطاع مهيكل محدود المقاعد لا يحظى بها المستضعفون من أبناء الوطن.

- مجال عام مُقيَّد: حين تُضيَّق المشاركة الحرة وتغيب المساءلة العلنية، ترتفع علاوة المخاطر السياسية، فتتباطأ الاستثمارات المنتجة طويلة الأجل.

  • النتيجة: حتى مع مشاريع بنية تحتية كبرى، يبقى أثرها على الشباب محدودًا إذا استمرّ الهدر المؤسسي: غياب شفافية الصفقات، ضعف تنافسية التوريد، احتكار مجالات بعينها، وتعثّر العدالة الإجرائية.


رابعاً: دروس بلا إسقاط ميكانيكي: 

- ماذا تقول التجارب المقارنة؟ 

1) إسبانيا بعد فرانكو

المعادلة الرابحة: حفظت الملكية رمزيتها، ونُقلت السلطة التنفيذية إلى حكومة مسؤولة أمام البرلمان. المصالحة عبر المؤسسات لا عبر النسيان: دستور، انتقال توافقي، إعلام تعدّدي، قضاء يتعلّم الاستقلال.

الدرس للمغرب: الهيبة الملكية تتعزّز حين تبتعد عن اليومي التنفيذي وتبقى حكمًا رمزيًا. القرار الفعلي يجب أن يمرّ عبر قنوات قابلة للمحاسبة.


2) تشيلي: قوة المجتمع المعرفي

طلابٌ يقودون سياسة: بدأ الأمر باحتجاجات طلابية على تكاليف التعليم، ثم تحوّل إلى برامج بدائل ودخول إلى البرلمان والحكومة.

  • الدرس: بناء معرفة تقنية داخل الحركة (ميزانيات، قوانين، بدائل) حوّل الغضب إلى قدرة اقتراح.


3) أوروبا الشرقية (بولندا–التشيك)

اللا-عنف المنظّم: من قبل شبكات الكنائس والجامعات والنقابات خلقت كتلة اجتماعية واسعة.

الدرس: التحالفات العرضية بين فئات مختلفة إيديولوجيا وأخلاقيًا وبراغماتيًا تفتح القفل السياسي.


4) تونس (2011–2014)

حرية غير مؤطرة:  حرية بلا مؤسسات قوية جعلت المسار متذبذبًا.

الدرس: الحرية شرط، لكنها لا تكفي بلا قضاء مستقل، اقتصاد فرص، وإعلام عمومي مهني.


5) صربيا 

مقاربة ذكية: سخرية منظّمة، رموز بسيطة، تكتيكات اللا-عنف.

الدرس: الخيال السياسي أداة تعبئة لا تقل قيمةً عن البرامج، بشرط ألا يُستبدل الجوهر بالشكل.


المشترك: كل نجاحٍ جاء من تغيير قواعد اللعبة لا تبديل اللاعبين فقط؛ والسر يكمن في  تحويل الشارع إلى مؤسسات لا الاكتفاء بتحويله إلى خصم وإسقاطه بالمقاربات الأمنية والمحاكمات الصورية.


خامساً: الفضاء الرقمي — ماكينة الوعي والضغط

ليس “مجرد فيسبوك/انستغرام/تيك توك”... إنّه:

إعلام بديل: توثيق، تحليل بالبيانات، كشف التناقضات، فضح التجاوزات، نقل قصص الهامش المهمل (الوجه الباطن للمغرب غير النافع).

تنسيق لامركزي: مجموعات صغيرة تتبادل التكتيكات بسرعة، وتنتج موادًا تعليمية قصيرة تجيب على الأسئلة التالية:

- كيف نفضح المسكوت عنه؟ كيف نقرأ الميزانية؟ كيف نطلب المعلومة؟ كيف نُقوِّم الأداء؟ كيف نتحوّل إلى صوت الشعب وضميره؟.

بناء سمعة الحركة: الانضباط الأخلاقي (لا عنف، لا كراهية، لا تمييز، لا شتيمة) جعل خطاب جيل Z أكثر صدقية لدى فئات كانت متحفظة.

لكن… هناك مخاطر حقيقية في الطريق: فقاعة إشاعات، تضليل إعلامي، استنزاف نفسي، وتشويه مخابراتي يعزف على أوثار العمالة. 

الحل: ميثاق للمحتوى (توثيق قبل النشر، حق الرد، تصحيح علني، صحافة نشطة على المواقع، ودورات راحة رقمية لتفادي الاحتراق.


سادساً: المواطن قبل الوطن: 

الدولة الصالحة التي تخدمة المواطن لا الدولة الفاسدة التي يخدمها المواطن

من الاحتجاج إلى الاقتراح — كيف يتحوّل الغضب إلى قدرة حكم؟

  • مدرسة مواطنة مفتوحة المصدر:

وحدات قصيرة: قراءة الميزانية، الصفقات العمومية، قوانين الصحافة، حق الوصول للمعلومة، مبادئ المناصرة، كتابة مذكرة سياسات جامعة.

مواد إعلامية مكثفة بأسلوب سمعي - بصري: إنفوغرافيك/فيديوهات قصيرة مؤثرة، مع مراجع وملاحق داعمة.

  • مبادرات ظلّ (Shadow initiatives):

حكومة ظلّ شبابية تقدّم بدائل في التعليم والصحة والشغل والجباية.

مجالس ظلّ محلية تقيّم أداء البلديات والجهات بنشرات دورية قابلة للقياس.


  • تحالف النزاهة:

محامون ومحاسبون وصحفيون ينشئون خطًا ساخنًا للتبليغ عن الفساد مع حماية المبلّغين، ويحوّلون البلاغ إلى ملف قانوني مكتمل.


  • شبكات الثقة المجتمعية:

لقاءات حيّة شهرية في الأحياء والجامعات: من “اللايك” إلى جيران يعرفون بعضهم، ويستطيعون تنظيم مبادرات فعليّة (ميزانية تشاركية محلية، تتبّع أشغال، مراقبة خدمات).


سابعاً: ماذا بوسع الدولة أن تفعل؟ …

ثلاث مسارات أمام الدولة، مع كلفتها وفوائدها:

1. الترقيع الأمني-الإعلامي: يسكّن مؤقّتًا ويزيد علاوة المخاطر، ويُفقِد السياسة مصداقيتها.

2. الاحتواء دون إصلاح قضائي يفضي لانفراج سياسي: يربح وقتًا قصيرًا ويخسر ثقة طويلة.

3. مسار إصلاحي حقيقي (الأقل كلفة والأكثر استقرارًا): 

- قضاء مستقل فعليًا: مجلس أعلى محصّن، علنية محاكمات الفساد الكبرى، آجال محددة، قضاة محميون بالمسار.

- مكافحة تضارب المصالح: تصريح دوري بالممتلكات منشور، عقوبات رادعة، منع الجمع بين المسؤولية السياسية والصفقات.

- إعلام عمومي تعدّدي: مجالس تحرير مستقلة، حصص مضمونة للآراء النقدية، شفافية تمويل القنوات الخاصة.

- اقتصاد فرص: تفكيك امتيازات الاحتكار، تبسيط المساطر، رقمنة الشراء العمومي وإتاحة بياناته المفتوحة.

  • رسالة بسيطة: الإصلاح لا يضعف الدولة؛ بل يحميها من هشاشة الاستقرار الشكلي.


ثامناً: حزمة “مئة يوم” قابلة للقياس (بوابة استعادة الثقة)

- حرية التعبير: إغلاق ملفات الرأي ذات الطابع السلمي، ومراجعةٍ سريعة لنصوص قانونية جنائية تُستعمل لتجريم التعبير.

- المال العام: إنشاء نيابة مالية مستقلة بشرطة مختصة تابعة لها، تشتغل ببروتوكولات محددة وآجال ملزمة، وتنشر تقارير ربع سنوية عن القضايا المفتوحة وما استُرجع من أموال الشعب وممتلكاته.

- الصفقات العمومية: منصة موحّدة تُنشر فيها جميع الصفقات وشروطها وأسماء المتنافسين، مع واجهة سهلة القراءة لغير المختصين.

- تضارب المصالح: اعتماد قانون حازم مع بوابة علنية للتصريحات وقابلية الطعن القضائي من المجتمع المدني.

- قضاء مستقل: جدول زمني لإصلاحات المسطرة والإدارة القضائية، وتمكين البثّ العلني للقضايا الرمزية.

- صفقة تشغيل/تدريب للشباب: مسارات تكوين قصيرة ممولة بأهداف تشغيل محددة قطاعيًا (رقمي، طاقات متجددة، صناعة خفيفة، خدمات منظمة… إلخ)، مع بوابة شفافة للولوج والترشيح والترخيص.

- انفتاح إعلامي منظم: ميثاق بثّ يضمن حضور الأصوات النقدية، وحق الردّ، وبرامج مساءلة للمسؤولين شهريًا.

- لماذا 100 يوم؟

 لأنها تكسر شكّ “النية” بصُنع أثرٍ محسوس سريعًا، وتفتح شهية الإصلاح الأبعد.


تاسعاً: سيناريوهات للمدى المتوسط 

- إلى أين يمكن أن يصل جيل زد؟

(أ) سيناريو الإصلاح البنيوي (أفضل المآلات)

- ملكية برلمانية: دور رمزي مُحكِّم، سلطة تنفيذية لدى حكومة مسؤولة أمام برلمان قوي، قضاء مستقل، إعلام مهني.

- اقتصاد الفرص: قفزة في مناخ الأعمال بفضل الشفافية والرقمنة وتفكيك الامتيازات؛ استثمارات إنتاجية لا ريعية؛ نمو تقوده قطاعات التكنولوجيا والطاقات المتجددة والاقتصاد الأزرق والصناعات الخفيفة.

- تماسك اجتماعي: تراجع لافت للبطالة عبر التدريب المركّز، وتقلّص للهجرة اليائسة، وارتفاع ملحوظ لثقة المواطنين في المؤسسات.

  • النتيجة: استقرار حقيقي متين لأنّه ابنُ العدالة لا ابنُ الخوف.


(ب) سيناريو “الترقيع المستمر”

تحسينات شكلية متفرقة، بلا مسّ بقواعد تضارب المصالح وضعف القضاء.

- نمو اقتصادي متذبذب، يلتهمه عدم اليقين السياسي وتوسّع اللامساواة.

- موجات احتجاج دورية تعيد ترتيب المشهد بلا اختراق بنيوي.

  • النتيجة: كلفة سياسية واقتصادية واجتماعية أعلى من كلفة الإصلاح.


(ج) سيناريو الانكماش السلطوي

- تضييق عام، تراجع ثقة، خروج استثمارات لافت، وتضخّم رمزي في “الاستقرار الأمني” مقابل هشاشة مزمنة.

- هجرة أدمغة متسارعة، واحتقان رقمي دائم يسهل انفجاره عند الصدمات.

  • النتيجة: استقرار ظاهري على قشرة هشّة.

- أيّها الأرجح؟ 

الأمر اختيار سياسي أكثر منه قدَرًا اقتصاديًا. مفاتيح التبديل في اليد: قضاء، إعلام، مال عام، تضارب مصالح، ومسار دستوري يحدّد مسؤولية السلطة التنفيذية.


عاشراً: الحركة الذكية — مبادئ الحصانة الأخلاقية والتنظيمية

- اللا-عنف أصلٌ لا تكتيك: يحفظ شرعية القضية ويمنع شيطنتها.

- الميثاق الأخلاقي: لا سباب، لا تشهير، لا تمييز (كلنا في الوطن همّ)، لا مسّ بالكرامات؛ الصراع مع القواعد، لا مع الأشخاص.

- الوضوح: مطلب كبير واحد جامع (ملكية برلمانية/قواعد عادلة) وحِزم محدّدة تحته.

- الإيقاع: حملات مركّزة مع فترات مراجعة؛ لا إنهاك ولا انقطاع.

- الانفتاح الاجتماعي: مخاطبة الآباء، الموظفين، الحرفيين، والهوامش بلغتهم ومصالحهم، لا بلغة الفقاعات الرقمية.

- المعرفة قبل الشعارات: كل جملةٍ تُسندها وثيقة، وكل ادّعاءٍ وراءه رقم/نصّ/قرار.


حادي عشر: أسئلة الشباب… وإجابات مختصرة

- هل الملكية البرلمانية تُضعف الملك؟

بالعكس؛ تحفظ الرمزية وتجنّب المؤسسة الملكية استنزاف اليوميات التنفيذية وصدامات السياسة، وتُبني الهيبة على التحكيم الأخلاقي لا الإدارة.

- ألن يستبدل الفسادُ أسماءه فقط؟

حين تُقفل قنوات تضارب المصالح ويستقل القضاء ويُنشر المال العام شفّافًا، ينكمش الفساد لأن كلفته ترتفع ومخاطره تتضخم.

- لماذا التدرّج؟

لأنه الأسرع عمليًا: الانفجار يهدم ولا يبني، والترقيع يطيل الألم؛ التدرّج الذكي يبني الثقة ويُحصّن المكاسب.


خاتمة: بين الكمون والانفجار… نافذة اسمها الإصلاح

كمون جيل Z ليس نسيانًا ولا هروبًا؛ إنّه إعادة شحنٍ وتهذيبٌ للأدوات. وحين تلتقي هذه الطاقة بمسارٍ إصلاحيٍّ جادّ، ينقلب ميزان التاريخ: من صدامٍ يستهلك الوطن إلى تعاقدٍ يُجدّده.

من يرفض التغيير يراهن على وقتٍ ليس في صفّه. ومن يفتح باب العدالة والشفافية والمساءلة، يربح استقرارًا يصنعه الناس لا الخطابات البلاغية.

فلنضع الهدف في عبارة واحدة: قواعدٌ عادلةٌ تحمي الكرامة وتُطلق طاقة المستقبل. وما زاد على ذلك تفصيل.

قد يُطفئ القمع جذوة الشارع، لكنّه لا يُطفئ منطق التاريخ: 

حين تتراكم المظالم ويُغلق الأفق، يولَد الانفجار. بالمقابل، حين تُفتح أبواب العدالة والمحاسبة وتُعاد الثقة بالحوار، يتغيّر مجرى الطاقة الاجتماعية: من الصدام إلى البناء.

جيل Z ليس “فزّاعةً” ولا “فورةً”؛ إنّه ذاكرة الشعب القادمة من المستقبل. إن استُجيب له بإصلاحٍ حقيقي، صار طاقةً وطنية تحفظ الملكية رمزًا وتحمي الدولة بالقانون. وإن جرى تجاهله أو قمعه، عاد أشدّ تنظيمًا وأوسع تأثيرًا.

بين الكمون والانفجار، نافذة اسمها الإصلاح: فرصة، من يقتنصها يربح المستقبل. ومن يغلقها يفتح باب الوطن على المجهول.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق