"عيد الوحدة الوطنية".. بين خطاب الأخوّة وغياب العدالة

 

(مقال سياسي)

أعلن الملك محمد السادس أن يوم 31 أكتوبر من كل عام سيُخلّد كـ ”عيد للوحدة الوطنية”، تتويجا لقرار مجلس الأمن الذي اعتبر مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية الحل الواقعي الوحيد لقضية الصحراء. لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم على ضمير كل مغربي هو: 

- عن أي عيدٍ يتحدث الملك، وخيرة شباب الوطن يقضون أعمارهم خلف القضبان؟

- كيف يُحتفل بالوحدة بينما البلاد تعجّ بفاقدي الحرية من أبناء الوطن المسجونين ظلمًا وراء الأسوار؟

- أية وحدة هذه التي يُشاد بها أمام الأمم المتحدة، فيما الأمة نفسها تُكسر أصواتها في ساحات المحاكم مندّدة بغياب العدالة؟.../...


قال الملك في خطابه: "إن المغاربة إخوة".

لكن: - أيّ أخوّة تلك التي يُكرَّم فيها البعض، بمن فيهم من خانوا الوطن وطالبوا بالإنفصال، فيما يُعاقَب فيها المخلصون الذين سعوا للإصاح؟

الأخوّة لا تُعلَن من فوق المنصّات، بل تُبنى في المحاكم العادلة، في الكلمة الحرة، في الشارع الآمن الذي لا يُعتقَل فيه المتظاهرون الذين اعتقدوا أن الدستور يحميهم، وأن الوطن وعاء يسع الجميع، وأن الغد الأفضل من حق كل الذين ضحوا من أجل الوطن.


حراك الريف: الجرح الذي لم يُضمّد

كيف نحتفل بالوحدة، والريف لا يزال جرحًا مفتوحًا في جسد الوطن؟

أولئك الذين خرجوا يطالبون بمستشفى وجامعة وفرصة كريمة للحياة، حُكم عليهم بعشرين سنة من السجن وكأنهم أعلنوا حربًا لا احتجاجًا.

طالبوا بالكرامة، فاتهموا بالانفصال؛ نادوا بالعدالة، فوصموا بالخيانة.

في حين أن الدستور نفسه يضمن حق التظاهر السلمي وحرية التعبير، فكيف صار تطبيق الدستور جريمة؟


حركة جيل زِد: الحلم الممنوع

وشباب جيل زِد، الذين خرجوا بلا عنفٍ ولا شعار حزبي، رفعوا فقط صوتهم ضد الفساد والبطالة وانسداد الأفق. لم يطالبوا إلا بما كتبه الملك نفسه في خطبه: إصلاح، عدالة، محاسبة.

فكان جزاؤهم المحاكمات الصورية الجائرة، والاعتقال الاحتياطي بلا نهاية، والتشهير الإعلامي الموجّه الذي اتهمهم بالعمالة: مرة للجزائر، ومرة للإخوان المسلمين، ومرة لمن يعتقد النظام أنه يشكل تهديدا وجوديا له.

- هل يُعقل أن يتحوّل جيلٌ كامل إلى متَّهم لأنه آمن بأن الكلمة أقوى من الصمت؟ 

- هل يعقل أن يجرّم كل من آمن أن الإنسان قبل الوطن ما دام لا قيمة لوطن لا يجد فيه المواطن حريته وكرامته؟

الوطن يجب أن يكون في خدمة المواطن في السلم ليكون المواطن في خدمة الوطن في الحرب.

والديموقراطية تعني أن تكون الدولة في خدمة المواطن لا العكس كما في دساتير أوروبا. هذا هو شرط بناء "دولة الرفاهية لمواطنيها" بالتعبير الحديث، أو "الدولة العادلة الصالحة" بتعبير ابن خلدون القديم.


أصحاب الرأي: الضمير الذي لم يسكت

ثم أولئك المفكرون، والصحفيون، والحقوقيون الذين لم يسمح لهم ضميرهم بالصمت، فكتبوا وقالوا وفضحوا الظلم والفساد، وتساءلوا مع الملك: - "أين الثروة؟" و "لماذا لا تحارب الدولة الفساد"؟.

لم يرفعوا سلاحًا ولا شعارًا عدوانيًا  ضد أحد، ولا طالبوا بإسقاط النظام، بل فقط رفعوا الكلمة مطالبين بالإصلاح وفق ما يفرض عليهم دينهم ويُحتّم عليهم ضميرهم وواجبهم الوطني، فحُرموا من الحرية.

وطنٌ يسجن ضميره لا يمكن أن يحتفل بوحدته. لأن الكلمة المسجونة خنجرٌ في قلب الوحدة الوطنية.

قال المتنبي يومًا:

عيدٌ بأيِّ حالٍ عُدتَ يا عيدُ

لما مضى أم لأمرٍ فيك تجديدُ؟

واليوم، يتردّد السؤال ذاته في شوارع الحسيمة وسجون الدار البيضاء ومقاهي الرباط، وعلى وجوه آلاف العائلات الحزينة في ربوع الوطن والتي تنتظر أبناءها منذ سنوات.

- كيف لهذه العائلات أن تحتفل بـ "عيد الوحدة" وتؤمن بشعار "الأخوة في الوطن" وقلوبها تعاني آلام الغياب؟ 

- أي تجديد هذا الذي يَعِدُ به هذا العيد الجديد، وأبناء الوطن يُقمعون لأنهم قالوا: نريد وطنًا يسع الجميع؟


العفو العام: المصالحة التي لا تحتمل التأجيل

لقد آن الأوان لإعلان عفوٍ عام وشامل عن كل سجناء الرأي والحركات الاجتماعية والحق العام، باستثناء المحكومين بجرائم الدم كما تفعل الدول الأوروبية التي تحترم مواطنيها وتقدس حقوق الإنسان كلما حلت مناسبة وطنية تستدعي تكتل الجميع من أجل الوطن.

عفوٌ يُعيد للبلاد وجهها الإنساني وفرحتها المفقودة، ويطوي صفحة الجرح القديم قبل أن يتحوّل إلى نزيف دائم.

فمن سُجن اليوم، سُجن باسم الوطن أو بسبب الوطن، ومن موَّل الدولة التي سجنته هم أهله وذووه من دافعي الضرائب الذين صبروا أزيد من خمسين سنة  ينامون ويستيقضون على وعود التنمية وحلم التغيير، شاخصة أبصارهم على التلفزيون الرسمي ينتظرون الذي يأتي والذي لا يأتي.

لقد حان الوقت لاعتراف بسيط لكنه عظيم: أن كل من ينتمي لهذا الوطن وساهم بمعية أهله في بنائه والحفاظ عليه، من حقه أن يعيش فيه حرًّا لا خائفًا.

الوحدة الحقيقية ليست في خرائط الجغرافيا، بل في ضمير العدل.

والأخوة لا تتحقق بالشعارات بل بالرحمة والمحبة.

الوطن لا يُبنى بالأسوار العالية بل بفتح الأبواب نحو نور الحرية.

كل قرار أممي لا يساوي شيئًا إن لم يُرافقه قرار وطني واحد: 

"إطلاق سراح الحرية"

- فيا أيها العيد الجديد، بأي حال عدت يا عيد؟

- هل لتجديد الولاء أم لتجديد الوعي؟

- هل للقاء الأحبة أم لنبش الجراح القديمة؟

- هل لتذكير الخارج بالسيادة، أم لتذكير الداخل بالكرامة؟

الوطن لا يحتفل حين يسجن أبناءه، بل حين يحتضنهم ويفرح بذلك ذويهم.

حين يُعلَن العفو العام، ساعتها فقط يمكن أن يكون لنا عيدٌ حقيقي، عيدٌ للوحدة الوطنية والكرامة الإنسانية في ظل "وطن غفور رحيم" كما قال ذات خطاب الملك الحسن الثاني رحمه الله.

- فهل سيفي خلفه بوصيته ليُصدّق المغاربة أن الوطن فعلا غفور رحيم؟

إلى ذلك الحين، كل قرار أممي والمغرب بخير، ما دام في هذا الوطن من يؤمن أن الحرية هي أول أركان الوحدة التي لا تتحقق إلا في ظل العدالة، والأخوة التي لا تتجسد إلا في حضن الرحمة.


خاتمة مُركزّة

حين يُعلَنُ عن “عيد الوحدة” والحرية خلف القضبان، يصبح الوطن في حاجةٍ إلى من يفتح النوافذ لا إلى من يرفع الشعارات.

هذا الوطن لا ينتظر عيدًا جديدًا، بل فجرًا حقيقيًا يبعث الأمل في القلوب.

- ما جدوى الأعياد إذا بقي الأحرار وراء القضبان؟

إنّ الوحدة تبدأ حين تتغير القواعد القديمة، والأخوّة تتحقق حين يُصان الحق، والمواطنة تترسّخ حين يقام العدل، والمصالحة تتم حين يُنزّل مبدأ الرحمة على الأرض.. حينها، تُفتح القلوب الحزينة لاستقبال العيد بالكعك والطبول والفرح.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق